” النفط ” حرب الأسعار بين التصعيد والتهدئة ؟!



بقلم / فوزي محمد الاحمدي
في الثمانينيات من القرن الماضي كانت الولايات المتحدة الأمريكية تعد أكبر مستورد للنفط في العالم , وفي المقابل كانت تتحكم في سعر البرميل سواء كان ذلك عن طريق التحكم في الوحدة النقدية التي يتم بموجبها تحديد سعر البرميل (الدولار) والذي تمكنت من أن تفرضه على منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) , أو من خلال هيمنتها على إستخراجه من العديد من الدول المصدرة له (الإستثمارات) , وايضا من خلال الاتفاقيات الأمنية مع العديد من الدول المصدرة له (الحماية) . وفي المقابل لم يكن الإتحاد السوفييتي (روسيا) قادرا على المنافسه بسبب سياسة الإحتواء التي كان المعسكر الرأسمالي يتبعها مع (المعسكر الشرقي) . ولكن بعد إنهيار الإتحاد السوفييتي (الإنفتاح) بدأت الأوضاع تتغير ودخلت روسيا كلاعب أساسي في سوق النفط العالمي . وأيضا تحول أمريكا من أكبر مستورد للنفط الى مصدر له (النفط الصخري) , وحلت الصين بدلا من امريكا كأكبر مستورد له . هذه التغيرات أخرجت (أوبك) من المعادلة ولم تعد لوحدها تتحكم بالأسعار بل دخلت كل من أمريكا وروسيا على الخط وبقوة , وبالتالي كان لا بد من الإتفاق مع روسيا من حيث تحديد الأسعار وتوزيع الحصص وهذا ما حصل بالفعل (تخفيض الإنتاج) , ولكن هذا الإتفاق لم يصمد طويلا بسبب قيام أمريكا ومن خلال الزيت الصخري بزيادة الإنتاج وبالتالي إغراق السوق وتعويض الفارق ! وأدى إنتشار وباء فيروس كورونا وإنخفاض الطلب على النفط (الصين) ليزيد الطين بلة ؟! فشل منظمة أوبك في الوصول إلى إتفاق مع روسيا ثاني أكير مصدر للنفط في العالم , كان بمثابة الشرارة التي أشعلت حرب الأسعار وأدت إلى نزول سعر البرميل الى مالا يقرب من (30) دولار . حرب الأسعار سوف تكون لها نتائج كارثية على الأطراف المتصارعة والجميع سوف يخرج منها خاسرا وخيار شمشون (عض الأصابع ) لن يجدي نفعا (التصعيد) , نعم قد تستطيع روسيا الصمود من خلال اقتصادها (المتنوع) مع وجود إحتياطي كبير من العملات الصعبة , وكذلك السعودية حيث تتوفر الملاءة المالية والدين المنخفض ولكن هذا على المدى القصير , الشركات الأمريكية التي كانت تنتهز الفرصة وتغرق السوق سوف تخرج من المولد بلا حمص إذا إستمرت حرب الأسعار. إستخراج الزيت الصخري أكثر تكلفة وسعر (30) دولار للبرميل غير مجدي إقتصاديا , في الأيام القليلة الماضية وجدنا هبوطا حادا في عدد الحفارات العاملة إلى أدنى مستوى لها منذ سنوات , بل وطلبت العديد من الشركات المنتجة له الدعم من الحكومة الفيدرالية (المدد) بعد تعرضها للخسائر ! أعتقد أن الدول المصدرة للنفط سوف تلتقي خلال الأشهر القليلة القادمة وتجلس على مائدة الحوار وسوف تتوصل إلى إتفاق جديد وتحديد سعر(عادل) ترضى به جميع الأطراف (المصدرة والمستوردة) وبالتالي إيقاف حمام الدم النفطي (التهدئة) . إذا ظلت أسعار النفط تراوح في حدود (30) دولار للبرميل , ولكن اذا إرتفع سعر البرميل ما بين(40 ـ 45 ) دولار فإن حرب الأسعار سوف تستمر الى أمد أطول , لان كل من الإقتصاد السعودي والروسي يستطيعان الصمود الى فترة أطول . لكن ماذا عن الدول الأخرى مثل الجزائر والتي يعتمد إقتصادها كليا على النفط وبحدود سعر يجب أن لا يقل عن (100) دولار للبرميل ؟! أعتقد سوف تكون النتائج كارثية كما هو الحال مع إيران (العقوبات) . الدول المستوردة للنفط هي المستفيد الاول من حرب الاسعار ، حيث سوف يساعد ذلك على تقليص التصخم وتحسين الحساب الجاري لها (الميزانية ) .