الجوكر 2019



بقلم الأستاذ : علي القحطاني

” فقط اتمنى أن يكون موتي منطقيا أكثر من حياتي ”
بهذا النص العظيم افتتح الممثل خواكين فينيكس بداية تلك التحفة الفنية من فلم الجوكر ، حيث شهدت صالات السينما السعودية هذا الزخم الإبداعي من فلم الجوكر الذي جمع عدة أبعاد في تكوين واحد ، منها ما هو نفسي و منها ما هو اجتماعي و منها ما هو سياسي و منها ما هو أخلاقي فهذه الخلطة الفلسفية التي حواها الفلم جعله يتصدر شباك التذاكر فترة من الزمن في العام المنصرم .
هذه التشويقه مفيدة للذين لم يشاهدوا الفلم ، فالنص والحبكة القصصية والأداء الاستثنائي لفينيكس سيدخله ضمن أعظم أعمال السينما فهذا القرن ، وسأتناول بالتحليل جزء بسيط من هذا التكوين ، وهي مسألة التفكك الاجتماعي الذي أصاب مدينة غوثام نتيجة البطالة و العوز الاقتصادي و تفشي الجريمة و تباعد الطبقات الاجتماعية و عمليات الصراع القيمية بين اصحاب النفوذ و المال و الطبقة المسحوقة التي تفتقر الى العمل و المال و الخدمات الأخرى ، مما نتج عنة زيادة في حدة التناقضات الطبقية و غياب العدالة الاجتماعية و تفشى الاضطهاد بين افراد المجتمع و التفكك الأسرى .
في هذه الأجواء برزت في ثنايا القصة ثقافة فرعية تنم عن الرفض للأوضاع القائمة ، هذه الثقافة كانت تقبع كمكياج على وجه المهرج آرثر فليك الذي كان يستقل القطار ، تلك الحادثة التي حصلت في القطار و التي حصدت ثلاثة من ابناء البرجوازيين بسبب ذلك المهرج و التي نشرها الإعلام ، جعلت من قناع المهرج رمز ثقافي يزاحم عقول الطبقات المحبطة و التي يطغى على كثير منهم السلوك الإنحرافية مثل الجريمة لتسلك مسلك احداث الفوضى ، و جعلت من آرثر رمز لعملية التبؤر القيادي الذي سيقود الحشود الثورية لتقوم بعملية انقلاب اجتماعي ، فمشهد وقوف آرثر على السيارة في تلك اللحظة جعلته تلك اللحظة بالقائد الملهم لتلك الجموع المحبطة .
فرغم صراعه الداخلي و رغم مرضه النفسي و رغم بحثه عن لقمة عيش متواضعة و رغم طموحه على الوقف على خشبة المسرح ، حولته الأوضاع الاجتماعية الى شيء آخر ، بعيد كل البعد عن شخصيته الأولى ، لقد اصبح له جمهور يهتفون له و يصفقون و هذا ما كان يطمح اليه ، ولكن هذه المرة ليس جمهورا يدفع قيمة التذكرة ليشاهد النكات التي يطلقها ، بل جمهور يريده ان يغير من أوضاعهم الاجتماعية.