معادلة التعافي من إدمان المخدرات ..



بقلم | علي جبران

التعافي من إدمان المخدرات هو الهدف الأول والمهم لمريض الإدمان الذي يطلب التعافي وهو الهدف الجميل و الرائع لأسرة المدمن و أيضا هو الهدف الأول و المهم لكل عامل و مختص في حقل علاج الإدمان و هو أيضا ضمن الأهداف لسياسية الرعاية الاجتماعية في دولة مثل المملكة العربية السعودية التي تسخر الإمكانيات المادية و البشرية لمجابة ظاهرة الإدمان.

ويمكن أن نصوغ معاً معادلة للتعافي تهم في المقام الأول مريض الادمان كي يسترشد بها و تسترشد بها اسرته و المحيطين به ، فطرف المعادلة هو التعافي و يكون ذلك الطرف الأيمن ، و التعافي هنا يعني الجهود المبذولة والمتدرجة و المستمرة من مريض الإدمان كي ينتقل من وضع جسماني و نفسي و اجتماعي و أسري وديني سيء بسبب الإدمان الى إعادة بناء حياته و الوصول الى مستوى جيد من الاستقرار الجسمي و النفسي و الاجتماعي والأسري والديني ، و بمعنى آخر ، التعافي هو التوقف عن تعاطي المخدرات بطريقة علمية ومنهجية في سبيل السعي الى تحقيق حياة أفضل .

أما طرف المعادلة الثاني من الجهة اليسرى فيبدأ بمحرك النية، فهي شيء عظيم و متأصل في ديننا الحنيف ، و اشهر حديث في قضية النية هو الحديث الذي ذكرة عمر بن الخطاب رضى الله عن الرسول الله صلى الله علية وسلم : ( إنما الأعمال بالنيات و إنما لكل أمرئ ما نوى … الحديث) حيث قال الشافعي و ابن حنبل عن الحديث أنه ثلث الإسلام ، وقد عرف أبو الحسن الماوردي النية بأنها قصد الشيء مقترناً بفعله، فإن قصده وتراخى عنه فهو عزم ، فالنية هي البداية نحو طريق التعافي لأنها القوة الدافعة نحو ذلك الاتجاه ، و النية اساساً عبارة عن فكرة ، وتلك الفكرة قد تكون مخبأة او مطفية أو مهمله أو ضعيفة أو منسية داخل مريض الإدمان ،فاذا تم انعاش الفكرة بالانتباه ، و تم شحذ تلك الفكرة بالاهتمام المستمر و تم شحنها بكميات من المشاعر المتعاقبة و تم ضخ كميات من الخيال في عروقها ، فإن تلك الفكرة تتحول الى نية صادقه تشتعل شوقاً الى التغيير .

ثم يأتي القرار ، ويكون مباشرة بعد النية ، و القرار عملية عقلية فيها الاعتراف الضمني و العلني بالمرض وهذا القرار يرفض كل قرارات البدائل الأخرى المستترة خلف حيل المخدر ، أي أن قرار التعافي هو القرار الوحيد الذي يتخذه المريض مباشرة بعد النية ، ومن العوامل المساعدة في عقد اتخاذ القرار وجود المقارنات مع القرناء الاصحاء و حساب الخسائر الزمنية و الاقتصادية و النفسية و الاجتماعية و البدنية و التأمل في مقدار الفقد العظيم الذي تم منذ بداية التعاطي و عدم الإنجاز و الشعور بالغربة ، هذه بعض العوامل اذا تم ادراكها و التي أساسا يكون جزء كبير منها قد نضج في محركات النية فإنها تسرع في عملية القرار ليعترف المريض لمن حوله او بمن يثق به لطلب العلاج او البحث عن العلاج .

ثم يأتي التنفيذ مباشرة بعد القرار، و التنفيذ هي مجموعات العمليات العلمية و المنهجية و التي تكون ذات طابع مؤسساتي أي ان التنفيذ تكون عبر منشآت متخصصة في مسألة العلاج و التأهيل ، وفي هذا الصدد ذكر ميم لاندري في كتابة المعنون بــ ( فهم تعاطي المخدرات- عمليات الإدمان و العلاج و التعافي ) ، أن هناك أربعة مراحل تطورية للتنفيذ و هي كالتالي:

1- مرحلة استعادة الثبات الجسماني والنفسي والاجتماعي حيث يتخلص المريض من آثار المخدرات وآثار السموم من الجسد ويبدأ في استعادة توازنه الجسدي النفسي.

2- مرحلة إعادة البناء، ويبدأ المريض في استعادة إيقاعه الشخصي وتنظيم ادراكاته ومشاعره الجديدة وتطويرها.

3- مرحلة التعافي الناضج، وتتمثل في اكتساب المريض لقيم معينة ويعيد بناء شخصيته الخاصة و ترتيب أولوياته وفلسفاته و يتحول من شخص اناني الى شخص يستمتع بمساعدة الآخرين، كذلك يتميز نمط الحياة بالاتزان على جميع المستويات الشخصية و الاجتماعية والاسرية .

4- المرحلة الأخيرة من عملية التنفيذ للتعافي، تبدأ بعد عام أو عامين من انتهاء العلاج في هذه المرحلة يتخلص المريض من الاتجاهات المشوهة والمعتقدات التي تكون تطورت منذ مرحلة الطفولة، وأيضا تهتم هذه المرحلة بالتغيرات السلوكية وترسيخ القيم الصحيحة والسمات الشخصية .

ثم نأتي الى أخر طرف في معادلة التعافي و هي الاستمرارية، ويكون المتعافي في هذه الحالة قد ارتفع مفهوم التعافي من قناعة شخصية الى مبدأ ، أي ان التعافي اصبح ضمن المبادئ الأخلاقية العليا للشخص و تلك المنظومة الأخلاقية هي بمثابة بوصلة للمنظومة العقلية التي ينتج عنها بشكل مستمر المشاعر و السلوك ، فكلما كانت المنظومتين جيدة كلما كانت النتائج جيدة ، و أصحاب المبادئ في هذا المجال دائما ينتصرون على المرض و يستمرون في التعافي ، و بذلك يمكن كتابة معادلة التعافي كالتالي :

التعافي = النية + القرار + التنفيذ + الاستمرارية.