لن أموت وأنتِ بجانبي



بقلم الأستاذة : عبير الحارثي 

الخوفُ من الظلام أو من أنَّ أحدًا خلفك يتبعُك، هاجسُ كلِّ صغيرٍ، والمنقذ الوحيد هو حضن الأمّ، حيث يشعر أنه في أكثر الأماكن أمانًا ودفئًا. وهذه الفكرة لا تزال تتملَّكني بل ربما بإقتناع أكبر الآن، فهي القلب الممتلئ رحمةً وعطفًا، ومَن تُرجى مغفرته عند الخطأ، ومَن علَّمَ البشرية العطاء دون انتظار مقابل، ومَن حلَّل ظلم النفس في سبيل إنصاف فَلَذَات الأكباد. ولذلك استمرَّ شعوري بأنَّ الموت لن يأخذني وأنا بجانبها، ليس إنكارًا للموت ولا زعمًا بعلمي متى ينقضي أجلي، لكنه شعور فطري لدى كل ابن وابنة، بأنه في مأمن ما دامت أمُّه معه. وكم من البيوت أظلمَت عندما ماتت الأمّ، فصارت منطفئةً كأنْ لم يكن بها أحدٌ قَطّ، مخيِّمًا عليها الخوف، خانقًا إياها. شريطٌ من الذكريات لا يهدأ.. فهنا كانت تهزُّ المهد كأنها تهدهد الدنيا بأسرها ، وهنا كانت تفرد العجين وتصنع الطعام… أما غرفتها فعالم آخر، هنا حيث كانت الأقدام الصغيرة تركض في الظلام هاربةً من صوت الرعد وشرر البرق المخيف، فتمدُّ يديها كطير يذود عن فراخه، وتغمض عينَي صغيرها وتقرأ عليه المعوِّذات، ليغرق في نومٍ آمن كأنه في جنة الدنيا. أما الآن، فلا يلبث أن يتذكَّر هذا حتى تنهمر الدموع، لكن لا بكاءَ يُعيد ولا نواحَ يُفيد.أمي، يا جنتي، يا مأمني وأماني، لقد ذكرتكِ في كلِّ سجدة وأنا أدعو: ربِّ اغفر لي ولوالدَيّ، وفي كلِّ ساعة أناجي الله بأن يرسل إليكِ وابلًا من الفرح والسعادة والطمأنينة لا تشقَيْن بعده أبدًا. وسأبقى أسأل الله جنةً تحت قدميكِ، وبرًّا بكِ حتى الممات.
يقول كريم معتوق في قصيدته عن الأم:
أوصى بك اللهُ ما أوصت بك الصُحفُ
والشـعرُ يدنـو بخـوفٍ ثم ينـصرفُ
مــا قــلتُ والله يـا أمـي بـقـافــيـةٍ
إلا وكـان مــقـامـاً فــوقَ مـا أصـفُ
يَخضرُّ حقلُ حروفي حين يحملها
غـيـمٌ لأمي علـيه الطـيـبُ يُـقتـطفُ
والأمُ مـدرسـةٌ قـالوا وقـلتُ بـهـا
كـل الـمدارسِ سـاحـاتٌ لـها تـقـفُ
هـا جـئتُ بالشعرِ أدنيها لقافيتي
كـأنـما الأمُ في اللاوصـفِ تـتصفُ
إن قلتُ في الأمِ شعراً قامَ معتذراً
ها قـد أتـيتُ أمـامَ الجـمعِ أعـترفُ .