لأنهم يحبون رسولنا (ﷺ)



بقلم : منيف خضير الضوِّي

لو قيل لك أن هناك رحالة غربي زار بلادنا قبل سنوات خلت ، وألف كتاباً يتحدث فيه عن رحلته تلك ، وقد تطرق في كتابه لجدك الذي استضافه في منزله ، حيث أثنى في كتابه على كرم جدك وجمال مجلسه وحسن وفادته ، ماذا سيكون شعورك تجاه هذا الكتاب ؟
ترى كم نسخة ستقتني من هذا الكتاب ؟ وكم ستهدي معارفك وأصدقائك ، ومن المحتمل أنك ستنشره في الصحف أيضاً ، وتفعل كل ذلك من أجل جدك واعتزازاً بسلالتك القبلية ، وهذا حقك ولا ينازعك فيه عاقل بلا شك ، ولكن تخيل لو تجاوز الأمر جدك إلى سيد ولد آدم محمد رسولنا الأعظم (ﷺ) ، تخيل لو تجد رجلاً غير مسلم يمتدح نبينا محمد (ﷺ) بل ويؤلف فيه كتاباً كاملاً ، أليس الأجدر بنا كمسلمين أن يكون هذا الكتاب هو الأكثر مبيعاً في العالم ؟
الأديب الروسي الشهير ليو تولستوي ألف كتاباً بعنوان (حِكَم النَّبي مُحَمَّد) ، وكان تولستوي الأديب الروسي الكبير يترجم الإنجيل وينشر ذلك في الصحف الروسية ثم وجد تناقضاً في بعض نسخ الأناجيل يكذب بعضها بعضاً ، فناقش القساوسة في ذلك ولكنه لم يجد إجابة شافية ، وأخذ يتحدث في الصحف الروسية عن هذا التناقض الذي يثبت بلا شك أن الإنجيل بصورته الحالية محرف بصورة لا تقبل الشك ، وطبعاً ثارت عليه الكنيسة وسحبت منه صلاحية ترجمة الإنجيل للغة الروسية وكفرته ، ومنذ ذلك الوقت أخذ تولستوي يبحث في الأديان لعله يجد ضالته ، وبعد حين خرج للناس بأن الدين الإسلامي هو الشكل الفطري الصحيح ثم فاجأ العالم بهذا الكتاب الرائع الذي كان هدفه الدفاع عن الحق فقط ضد الحملات المسيئة للنبي محمد وللدين الإسلامي ، وقد فعل تولستوي كل ذلك وهو لم يسلم ، بل مات ولم يسلم أو لم يعلن ذلك على الأقل في الوقت الذي توقع فيه الكثيرون أنه ربما كان يخفي إسلامه .الغريب أن هذا الرجل والأديب العملاق أخذ يقلد شخصية النبي محمد عملياً حيث تنازل عن قصوره الفاخرة للفقراء وأصبح يصوم تعاطفاً معهم بل وأرخى لحيته كما يفعل المسلمون لقناعته أن ذلك هو الفطرة الصحيحة وأخذ يطالب النساء في بلده باللباس المحتشم مما دعا زوجته البرجوازية إلى التبرم من معيشته الجديدة في الأكواخ بدلاً من القصور الفارهة وتخلت عنه ثم ندمت بعد وفاته ولات حين مندم !
ماذا فعلنا نحن المسلمين تجاه هذا الكتاب العظيم (حِكَم النَّبي مُحَمَّد) ؟ ​أين ولاؤنا ؟ وكأن الأمر لا يعنينا ، والحقيقة أن مثل هذه الكتب (على أهميتها) لا شك أنها هي التي ترتقي بسيرة سيدنا رسول الله وليس العكس ، ولكن المتتبع لسيرة نبينا العظيم (ﷺ) يجد أن كثيراً من علماء الغرب من غير المسلمين تناولا شخصيته بإعجاب منقطع النظير رغم أن أحداً منهم لم يسلم ، فالمهاتما غاندي (الزعيم الهندي الشهير) حينما فرغ من قراءة سيرة النبي محمد قال لصحيفة (YOUNG INDIA) :
” أردت أن أعرف صفات الرجل الذي يملك بدون نزاع قلوب ملايين البشر لقد أصبحت مقتنعا كل الاقتناع أن السيف لم يكن الوسيلة التي من خلالها اكتسب الإسلام مكانته، بل كان ذلك من خلال بساطة الرسول مع دقته وصدقه في الوعود، وتفانيه وإخلاصه لأصدقائه وأتباعه، وشجاعته مع ثقته المطلقة في ربه وفي رسالته. هذه الصفات هي التي مهدت الطريق، وتخطت المصاعب وليس السيف. بعد انتهائي من قراءة الجزء الثاني من حياة الرسول وجدت نفسي أسفا لعدم وجود المزيد للتعرف أكثر على حياته العظيمة”.
أما العالم الأمريكي في كتابه الشهير (الخالدون 100) وضع الرسول محمد (ﷺ) على رأس القائمة كأهم وأعظم رجل في التاريخ ، أما المستشرق والكاتب الإنجليزي الساخر والذائع الصيت برنارد شو فقد أنصف الإسلام وألف كتاباً بعنوان (محمد) ولكن السلطات البريطانية صادرته وأحرقته خوفاً من تأثيره ، ووصف نبينا العظيم في غير مناسبة أنه منقذ البشرية ، وقال أنه لو تولى أمر العالم اليوم لحل مشكلاتنا بما يؤمن السلام والسعادة التي يرنو إليها البشر ، والفيلسوف الفرنسي الشهير الذي اعتنق المسيحية واليهودية واستعرض كل الأديان حتى انتهى به المطاف أن يسلم في آخر سنوات عمره تحدث منصفاً عن الإسلام ورسالة محمد (ﷺ) وذلك في كتابه (الإسلام وأزمة الغرب) ولكن بكل أسف فبعد إسلامية تعرض لحملة تهميش حيث تم تجاهل مقالاته وكتبه في الوقت الذي كانت تتسابق الصحف ودور النشر لتلقف مقالاته وكتبه قبل أن يسلم ، والفيلسوف الألماني الشهير جوته أيضاً استسلم لشخصية هذا النبي الأمي وقال كلماته الشهيرة إننا أهل أوروبا بجميع مفاهيمنا لم نصل بعد إلى ما وصل إليه محمد ، ولقد بحثت في التاريخ عن مثل أعلى لهذا الإنسان فوجدته في النبي محمد …”.
والحقيقة أن من أنصف شخصية محمد (ﷺ) كثيرون ومن الصعب أن نحصيهم ، ولعلنا نستعرض بعضهم بشكل سريع فالشاعر الروسي بوشكين ألف كتاباً بعنوان (ربح محمداً ولم أخسر المسيح) ، والفيلسوف والمؤرخ الأمريكي ويل ديورانت وصف النبي محمد بأنه أعظم عظماء التاريخ في كتابه (تاريخ الحضارة الإنسانية) ، والشاعر الفرنسي ألفونس لامارتين وصف محمد قائلاً ” محمد أقل من الإله وأعظم من الإنسان العادي.. أي أنه نبي” .
إن محبتنا لنبي الهدى (ﷺ) تجعلنا ــ لا شعوريا ــ نحتفي بكل هذا الزخم والانصاف لسيرته العظيمة مع إيماننا أنه ليس بحاجة لكل ذلك ، يكفيه شرفاً أن الله سبحانه وتعالى زكاة في أعظم كتاب سماوي نزل على البشرية “وإنك لعلى خلق عظيم” ، ولكن محبته تقتضي علينا أن ننحاز له ولكل ما يكتب عنه وقبل ذلك الاقتداء بسلوكه وتصرفاته ، فهذا هو الحب الحقيقي الذي يتجاوز كل حب ، فالحب هو نداء دون صوت ، وامتثال دون طلب ، أليس كذلك ؟!