قطعة من الروح ..



بقلم | فاطمة روزي

عندما أبحث في أركان طقوس روحي، زوايا ناقوس ذكرياتي، ومجرى خريطة دمائي، أجدُ بستان الأمان ذو الظلال الوارفة يغدق مهداً من الراحة، طوق نجاة من العواصف الهوجاء، وحصناً منيعاً أمام رياح الغدر. تتوسطه شجرة عظيمة ذات غصونٍ نضرة باسطةً مضغتها بمدفأة الرحمة، تشعُ بريقاً من زبرجد العطف، تترنم بصوتِ رؤوم لتحمل كل الهموم، تتدلى منها نعمٌ ربانية، وإشراقة إلهية تنير عتمة الحياة .

تلك الشجرة الجميلة وسط ذلك المَرْج العظيم أينعتْ ثمار خلابة مرفرفة تحت سماء الحب السرمدية، وبين أحضان الأرض الأبدية، ترعرعت بأمطار المودة النقية، تحفها أسوار الألفة المخملية، مصحوبة بألحان الإيثار السوسنية، على أجواء المحبة الهادئة، يلهون ويلعبون بين فيافي الحنان، تشرق عليهم الشمس الحانية، وقمر ينير عتمة المصاعب، لتبقى المدينة المقدسة قائمة على عروشها، يحمونها من زمهرير الوصب، ولظى الأحقاد .

ذلك البنيان المرصوص أقوى العلاقات وأرقها وأرحمها، ” الأخوة ” فلننظر حينما سأل موسى عليه السلام رب العزة والجلال يقول تعالى : ( واجعل لي وزيراً من أَهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري ). فلما سأل ذلك قال تعالى : ( قال سنشد عضدك بأخيك )، وذلك لعظم مكانتها ورفعة شأنها، ذلك الرابط المتين الجنة الأخوية المتراحمة، المتأصلة جذورها بالأعماق، فما أعظم ديننا دين الحكمة، الإحسان، التوازن، العدل والمساواة .

لفتت انتباهي تلك الصورة، وأثارت في نفسي الكثير من التساؤلات، رغم قساوة العيش، الظروف الحالكة، أصوات الأنين الرثة، إلا أنهما لم يفترقا، بل كانت تلك الأخت كالطود العظيم لأخيها، ومنبع الإطمئنان، ومستودع الشفقة، ليكون غداً لها الدرع الأمين، السيف البتار لمن يحاول ايذائها أو الإقتراب منها، وغصناً من حديد تتوكأ عليه إذا جار عليها الزمن .

فالأخ والأخت قطعة من الروح، بلسم للجروح، مهما تنوعت الفصول بحلوها ومرها، لا تذبل عروق الرفق أبداً بل تزيد تماسكاً كلما مرت الأزمان، نحن نعلم أن حياتنا لا تسير على وتيرة واحدة، هناك كؤوس من علقم تسقينا منها كلما اشتدت العواصف، وإذا هدأت تذوقنا شهدها الصافي منثورة برقصات الفرح الليلكية .. فلنحرص على توثيق أواصرها الجليلة وروابطها العميقة، ولا نسمح لأيٍّ من كان العبث بزواياها المسرّجة وأعمدتها القائمة في القلب، حتى لا تنقطع حبالها المعلقة بالعرش، فإذا تعرت وانكشفت وقُطعت صدأت زهور التراحم، تراكم الصقيع تبلدت قناديل المشاعر ، وذابت مزامير الإحساس، فلا يبقى منها إلا تلك الرفات النتنة تفوح منها رائحة الإفتراق، ثم تنهار بأتفه الأسباب، وللأسف الشديد كثير من الناس يختارون الغريب على القريب، متساهلين ومتناسين تلك الوشائج .

ليتنا نبتر رأس المشاكل العصية، نعيش على مرافئ السكون تحت بيرق السلام، نعفو نصفح ونسامح، نلتمس سفن الأعذار ، نتفقد، نسأل، ونتهادى، لا نسمح للآخرين بالتطرق لأمورنا العائلية، إما قول معروف أو صمت يلجم براكين الفتن، فاليوم نمشي في تلك الوسيعة، وغداً نرحل ونُحمل على الأكتاف ونغيب، فلا يبقى منا إلا أحفاد الذكريات الرائعة التي عشناها منذ الصغر حتى الهرم .

بإختصار لا يستطيع أحد أن يحل مكان الوالد والوالدة، والأخوان والأخوات، هم كعقد اللؤلؤ المصفوف النفيس، فلن يخاف عليك أحد مثل والديك، لا سند وعضد كالأخ الجزء الغالي من الأب، ولن يحمل كدرك إلا الأخت الفرع الثمين من الأم، اللهم احفظ والدينا الكرام وارحم من مات منهم، واحفظ إخواننا وأخواتنا، ولا تشمت فينا أعداءنا .

همسة :
أدام الإله أخوتكم .. لا فرق الله شملكم .. وكفاكم الرحمن شر كل ذي شر ..