فرح بلا ذاكره



بقلم : نسيبة علاَّوي

كانت – و لا تزال- عندي مشكلة مع الفرح..فأنا أتأخر كثيرًا في إظهاره .. و ربما يفوت على الحدث أيامٌ و شهور حتى ينتبه قلبي لما حدث..فألمح غباره المتلألئ و قد رحل تاركًا إياه كذكرىٰ له.. أو لكأنه آخر خيط نور لشمسٍ سطعتْ طويلًا فما لحقتُ بهجتها ..و قعدتُ أحزن علىٰ الأصيلْ!

ربما كان الأمر كله مسألة وفاءٍ عندي.. ففي عهدٍ بعيد من عمري ..هبط علي الحزن باكرًا .. متولدًا من غربةٍ هزَّت كل أركاني.. و أسقطت بظلالها على حياتي ..و ما حدث فيها تفصيلًا تفصيلًا.. و عُقدت صداقة وطيدة بين قلبي و الحزن ..و كانت جميلة و نبيلة..
كان حزنًا أستاذًا -إن جاز لي التشبيه- صقلني و هذبني و علمني.. فكانت ردة الفعل عندي مغايرة لما هو متوقع -بخلاف الإبتسامة التي أضعها على شفتي-خصوصًا في مواسم الفرح.. و كأنَّ آخر يسكنني يهمس لي ما وراء الشعور ..و ما بين الضحكات :أن انتبهي..إنه فخ !!

هذا الحذر تجاه الفرح توغل في اللاوعي عندي .. و تمكن رويدًا رويدًا من تبهيت الصورة المنعكسة للسعادة في عينيْ ..فما أصبح يحدث فيما بعد من مناسبات “يقول الناس عنها أنها مُبهجة” ..أصبحت عندي مُشككًا فيها حتى تثبت إدانتها.. و دائمًا ما تكون في تصوري مُدانة ،و هذا ما جعلني أتخذ قرارًا عقلانيًا فلسفيًا : ألَّا احتفال بأي ذكرىٰ لي سنوية أم معنوية ..خاصة أم عامة..

فالإنجاز الحقيقي أن تمر عليك الذكرى و قد أصبحتَ أفضل مما قبلها..و أن تضيف معنى و قيمة لحياتك عطاءًا و نجاحًا و تضحية ،و كأنك في سباق مع الزمن ليزيد الرصيد و يعلو الثمن ..غير مقيد بوقت و لا يحدك زمن ،فيمر اليوم “بفرحاتٍ صغيرة أو كبيرة “أنت صنعتها..كأن ترىٰ وردة تتفتح كُنتَ تتعدها بالسقاية كا يوم.. أو أن تسمع رأيًا صائبًا من ابنك كان غرسًا زرعته فيه من الصغر، هذه المشاعر الصغيرة الوقتية كانت و ماتزال تملكني..و تُثير شهية الفرح عندي ..أكثر من أي مناسبة لي كان من المفترض حسب المعروف أن تُفرح أكثر من غيرها..و أن يكون لها ذكرىٰ سنوية مؤرخة..تستحضر فيها فرحًا مصطنعًا مباغتًا لايُراعي مزاجك و لا ظروفك و لا إنجازاتك!

“كُتب هذا المقال بمناسبة ذكرى ميلادي السنوية”