صحتنا الفموية وعي بلا تطبيق



بقلم : الدكتورة غادة أبو القمصان

انتشرت في الآونة الأخيرة فئة كبيرة من المجموعات التوعوية الصحية, لتوعية الناس العامة في كيفية الاهتمام بالصحة الفموية, في العديد من المدارس والأماكن العامة؛ وذلك للتقليل من آفة التسوس التي تؤدي لفقد الأسنان في أعمار مبكرة عن العمر الافتراضي لها, ولكن؛ رغم هذا نجد أن العقول أصبحت تعي مدى أهمية الاهتمام بصحة الفم والأسنان, وحين تناقشهم فإنك تناقش عقول ناضجة واعية, لكن؛ أين التطبيق لتلك المعلومات؟
بداية:
المعلومات كنز عظيم, ولكن بلا جدوى إن لم يتم استخدامها في المكان الصحيح والوقت الصحيح وكلنا نعلم ذلك, فبداية يجب أن يضع الفرد منا تلك المعلومات المكتسبة في أرشيف عقلي, ومن ثم يبدأ بتطبيقها عملياً واحداً تلو الآخر, بناءً على المطلوب في تلك اللحظة, فمثلاً: نسمع بأهمية خيط الأسنان كثيراً ونعلم أنه من الأدوات التي لا يمكن التخلي عنها اطلاقاً للمحافظة على صحة أسناننا, والتقليل من انتشار التسوس بين أسناننا؛ ولكن قلة من يتطرقون لاستخدامه, ليس لأنهم لا يعلمون بأهميته ولكن لا يملكون الحافز الذي يذكرهم بأهميته سوى في اللحظة التي ينتكس فيها بناء السن أو الضرس ويبدأ الألم أو عدم الرضاء عن مظهر السن. لذلك هنالك خطوات يجب على الفرد اتباعها ليتعلم فعلياً وصحياً كيفية المحافظة على صحة فمه وأسنانه بصفة خاصة وصحته بصفة عامة.
أولا: انتقاء المعلومات الصحية المفيدة
أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي تحمل في طياتها الكثير من النصائح لشتى المجالات ويتضمنها مجال صحة الفم والأسنان, فنجد كثير من الخلطات المنتشرة لتبييض الأسنان ولتخفيف الآلام وتقليل التسوس وغيرها من الخلطات العجيبة, وهذه بكثرة منتشرة, ونجد أيضاً بعض النصائح المفيدة لصحة فم أطفالنا, ولذلك لتقليل تسوس الأطفال المنتشر بطريقة مريعة ,نصائح عن أهمية التنظيف الدوري للأسنان عند طبيب الاسنان, ولكنها قليلة, فيصبح الفرد يبحث عن الوسائل البسيطة التي في متناول اليد السريع والتي تحمل أسعاراً أقل, و دون التفكير في هل أن بعض هذه النصائح مفيدة أم مضرة بصحة الأسنان, وهذا موضوع عميق يحتاج لمقال آخر منفصل, لكن كيف ننتقي ونعلم ما هو صحيح وما هو غير صحيح , لا بد من اللجوء لطبيب الأسنان والاستفسار حول ماهية هذه النصائح, فالطبيب لم يهدر سنين عمره ليحتفظ بالمعلومات لذاته, تعلم ليعلم وينشر الفكر الصحيح في المجتمع ليصبح مجتمعاً راقياً فكرياً وعملياً.
ثانياً: مدى احتياجك

انتشرت في الآونة الأخيرة ما يسمى بـ ابتسامة هوليوود, هي حقاً من أجمل ما وُجد في تجميل الأسنان, ولكن هل جميعنا بحاجة تلك الابتسامة؟! أم هي تيار ولا بد من ركوبه!, بالطبع كل إنسان له احتياجه الخاص, فبعض الأفراد يحملون ابتسامة ربانية ليس بحاجة سوا للتبييض أو للتقويم أو ليس بحاجة مطلقة, يجب على الفرد أن لا يركب التيار مجرد أن وجد الجميع ركب هذا التيار, فمدى احتياجك يختلف عن مدى احتياج اخيك من امك وابيك, ومدى احتياج معالجة سن من الأسنان في فمك يخالف عن مدى احتياج السن المجاور له, فهي ليس بالجميع وانما ماذا تحتاج انت؟ وكل هذا لا يحدده سوى طبيب الأسنان الخاص بك, فلا تتجاوزه واحترم ما يمليه عليك, فهو لك, لا عليك.

ثالثاً: معرفة الكثير عن ما تحتاجه
كيف يمكنك أن تعرف ما تحتاجه؟, سؤال يجب أن يطرحه كل فرد على نفسه, ولمعرفة اجابته يجب أن يزور طبيب الأسنان بصفة دورية منتظمة وتكون لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد عن ستة أشهر, فخلال هذه الزيارات الدورية المنتظمة, يخبرك طبيبك ما أنت بحاجة إليه, وما يجب معالجته فوراً, فالأسنان هي جزء حي في الجسد وتهرم كما يهرم الجسد, ولا بد من مراعاتها بطريقة دورية بحيث أنها يمكن أن تتعرض للتسوس بطريقة و أخرى, ولا ننسى اللثة, فهي أيضاً شيء مهم يجب رعايته, ونلاحظ الكثير يعاني من نزيف لثوي وقت التفريش, ولا يعلم علة ذلك, ويجد الكثير من الاعلانات حول معاجين الأسنان التي توقف نزيف اللثة, واني اصدقكم القول بأنها بالفعل فعالة ولكن كثيراً منكم لا تجدي نفعاً معه وذلك لأن ليس كل فرد لديه نزيف في اللثة يمكن أن يجد حلاً في معجون الأسنان المُعلن, ليس لأنه سيء بل لأن المسبب للنزيف ليس علاجه هذا المعجون وانما أمر آخر يغلب على الفرد معرفته بذاته, لذلك يجب أن يستشير طبيب الأسنان ليعلم ما علته وكيفية علاجها, من الخطوة الأولى دون الحاجة لتجربة الكثير من الأمور المبتذلة ويكون حلها أبسط مما تقوم به.
أخيراً: ساعد نفسك وطبيبك بعلاج مشاكلك
عند معرفتك من طبيبك ما علتك وما علاجها, فيجب عليك أن تقوم بمساعدة طبيبك لتصل للنتائج المرجوة النهائية, فليس كل الأمر يقع على عاتق الطبيب, يجب أن تعلم أن لك دوراً لا يقل أهمية عن دور الطبيب, فهو عليه اصلاح وتحذير وارشاد لك, وأنت عليك الجزء الأكبر في هذه المهمة, وهي التطبيق والاهتمام بما يرشدك عليه الطبيب, ولا تنسى أن الطبيب أصبح طبيباً ليرعى صحتك, فأسأل واستفسر من طبيبك عن كل أمر يستعصي عليك فهمه, وتطبيقه, فأنت طبيب نفسك قبل أي طبيب, فالطبيب انسان ويمكن كثيراً أن يسهو ولكن يجب أنت أن لا تسهو عن نفسك.
و اعلم أن هذه الخطوة الأخيرة والأهم, ولكنها لا تجدي نفعاً لو أن الفرد لم يتطرق للخطوات السابقة كلها, خطوة تلو الأخرى.
ونهاية:
علم بلا تطبيق لا يجدي نفعاً, ككتاب في مكتبة عتيقة غطتهُ الأتربة منذ زمن بعيد وثم تم نسيانه.