تطبيقات الفلسفة البرجماتية في العملية التعليمية



نوير حمدان الحربي باحثة دكتوراة مناهج وطرق تدريس الدراسات الاجتماعية بجامعة أم القرى :
ظهرت في القرن ال 20 فلسفات تربوية كثيرة كان من أهمها الفلسفة البرجماتية في أمريكا. وتمثل البرجماتية اتجاهاً تقدمياً في الفكر الفلسفي وعلى الرغم من أن لها جذوراً قديمة إلا أنها مرتبطة باسم الفيلسوف الأمريكي جون ديـوي، الذي ينتقد بشدة المفهوم التقليدي للمنهج الذي يقوم على تقسيم المنهج الى مواد منفصلة وعلى ترتيب هذه المواد ترتيباً منطقيا حيث يرى أن المركز الحقيقي للمنهج هي نشاطات المتعلم الذاتية وخبراته.

وتُركز الفلسفة البرجماتية على المتعلم الذي يعتبر المحور الأساسي في بناء المنهج التعليمي، وعلى الخبرة الذاتية للفرد بوصفها وسيلة لمعرفة العالم الخارجي، كما تؤكد على النمو التلقائي للفرد، وعلى نـشاط المتعلم وفاعليته في المنهج، لذلك لا تقدم المعلومات كاملة له.

ومن ثمرات هذا الفكر البرجماتي المنهج المتمركز حول المتعلم، حيث نظر ديوي في بداية القرن العشرين الى التعلم على أنه عمليـة استقصاء وبحث، بدلاً من استيعاب المعلومات بصورة سلبية، وقد أوضح ديوي ذلك قائلا: إن الاعتماد الزائد على الآخرين من أجل الحصول على المعلومات يمثل عملية منبوذة أو مبتذلة. ومنطلق الاعتراض على ذلك أن المعلمين يقدمون حلولاً جاهزة بدلاً من إعطاء المتعلم المادة كي يستخدمها بنفسه في مواجهة موقف ما أو عند حل مشكلة.

ويعدُّ منهج النشاط أحد التطبيقات المنهجية الحديثة التي تعتبر انعكاساً للفلسفة البرجماتية والتي تشدد على أهمية النشاط الذاتي للمتعلمين، وتوفير الفرص الكافية ليتعلموا تعلماً ذاتياً عـن طـريـق مـرورهم بخبرات تربوية متنوعة تؤدي إلى النمو الشامل المرغوب فيه ولذلك أطلـق عـليـه منهج الخبرة ومن أبرز سمات هذا المنهج أنه يُخطط على أساس مبـدأ الفعاليـة الـذي يتطلب أن يكون المتعلم نشطاً فعالاً، وأن يقوده نشاطه الذاتي إلى الكشف عن المعرفة بنفسه، من خلال التفاعل الذكي مع معطيات البيئة وإمكانات التعلم في نماذجها الاجتماعية والخبرات التي يحصل عليها من البيئة، فهو منهج قائم على المتعلم، وهـو الأساس فيه والغاية النهائية للعملية التعليمية، ويعتبر نقطة البدء والنهاية لهذا المنهج.

والمعلم حسب وجهة نظر البرجماتية، أنه موجه ومرشد. فلابد أن يفهم طبيعة المتعلمين، ويفسر المعلومات، ودافع للمتعلمين إلى التجريب وفحص الأفكار الجديدة ويكون مشاركً في النقاشات، ويهتم بالتنوع في طرق التعلم وذلك لاستثارة طاقاتهم في المواقف التعليمية.

خلاصة القول، أن البرجماتيين يرون المعرفة عملية تفاعل بين الانسان وبيئته، فهو لا يقتصر على استقبال المعرفة، بل يصنعها، والحقيقة ليست مستقله عن الافكار التي يقترحها بقصد تفسيرها، حيث إن الحقيقة نسبية قابلة لتغيير.