“القلق المعرفي ” في قسم اللغة العربية بجامعة القصيم ..



بقلم | سلطان الجهني

مَنْ قُدِّر له الدِّراسة في قسم اللُّغة العربيَّة بجامعة القصيم سيدرك أبعاد ما أصبو إليه، إذ يعدُّ هذا القسم منارة للعلم والمعرفة، وملاذًا لأفئدة المهتمِّين في اللُّغة العربيَّة بمختلف فروعها، وقد ضمَّ أساتذة جهابذة شرَّقت وغرَّبت مؤلفاتهم أنحاء المعمورة، وأسهمت في تكوين العقل العربي وتصحيح المفاهيم السائدة.

ومن هؤلاء الجهابذة سعادة الأستاذ الدكتور علي بن الحبيب عبدالله عبيد، الذي اضطلع بتدريس مقرر “قضايا لسانيَّة” في جزئه الأول، وكان أستاذًا نابهًا لماحًا يجيد توظيف المعلومة بشكل راسخ في ذهن الطالب، وبناء على ذلك أفدنا منه أيَّما إفادة، وصحَّح لنا عدة مفاهيم خاطئة، منها: النظر إلى “دي سوسير” على أنَّه لساني لا غير، والنظر أيضًا إلى أنَّ اللسانيات أثَّرت تأثيرًا حاسمًا في الأدب والنقد دون حصول عكس ذلك.

فقد عدَّل أستاذنا د. علي هذه النظرة بالدليل القاطع المستند على شواهد علميَّة رصينة -ولولا ضيق المقام لذكرتها هنا-، وأثبت أنَّ “دي سوسير” شخصيَّة علميَّة فذَّة تجمع اختصاصات مختلفة، وأنَّ اللسانيَّات مثلما أثَّرت تأثَّرت في الأدب والنقد.

كما أضاف إلى معجمنا مصطلح “الحدوس”، ويطلقه على فترة ما قبل اللسانيات في الأدب والنقد، وتعرف اصطلاحًا بالمناهج القديمة، ومن أهمِّها النَّقد البلاغي، والنَّقد الرُّومانسي، والنَّقد التَّاريخي، والمنهجان النَّفسي والاجتماعي.

وتوَّج هذا كلّه بأسلوب تدريسي مفيد، يقوم على العرض والمناقشة.

ومن هؤلاء الجهابذة أيضًا سعادة الأستاذ الدكتور عبدالله بن العروسي تاج، الذي تميَّز بتدريس مقرر “قراءات معاصرة للتراث” في جزئه الأول، حيث ركَّز النظر في كيفية قراءة التراث بأدوات العصر الذي نعيش فيه، مقيِّدًا ذلك بعدم التعسُّف عليه بالإسقاط أو تقويله ما لا يقول.

وقد استشهد في قراءات معاصرة للتراث، مثل: حمادي صمُّود، وجابر عصفور، وتوفيق الزيدي.

وبيَّن خصائص كل قراءة منها، ومدى موافقتها للمعاصرة.

وما فتئ أستاذنا د. عبدالله يعلِّمُنا أن المعرفة تبدأ من القلق، والقلق المعرفي هو الباعث الرئيس على تحقيق الإضافة، ولذا يؤكِّد دائمًا “لا شيء يدعو إلى تطوُّر العلم، وتطوُّر البحث العلمي إلا القلق”.

كما يحثُّنا على تعلُّم لغة أخرى أجنبيَّة، وبخاصة اللُّغة الإنجليزيَّة؛ لأنَّه يراها تعطي الباحث بُعدًا علميًّا عندما يقرأ النظريَّات الحديثة في أمهاتها، ويشير إلى أنَّ بعض أساتذته كانوا يقولون: “أبدعنا من قرأ هذه النظريات في أمهاتها وتمثَّلها”، ويشدِّد على أنَّ التمثُّل لا يكون من طريق الترجمة، وإنما يكون من طريق معرفة اللُّغة نفسها.

وقد حلَّق بنا أستاذ الأساتيذ سعادة الأستاذ الدكتور إبراهيم بن علي الدغيري في سماء مقرر “تحليل الخطاب”، حتى عانقنا تلك السحابة الغرَّاء، ونظرنا من خلالها إليه بنظرة مختلفة، إذ كان علمًا مستقلًّا في أذهاننا، فأصبح حقلًا معرفيًّا ومبحثًا بينيًّا.

وفي خضم ذلك أخذنا بجولة معرفيَّة على فحوى تحليل الخطاب، فبدأنا من تحديد موقعه في خارطة العلم، ثم تعرَّضنا لمدرستَيْن من مدارسه، وهي: المدرسة الفرنسيَّة يمثِّلها “ميشيل فوكو”، والمدرسة الأمريكيَّة يمثِّلها “هاريس”.

وتابعنا المسير على هذا النحو حتى وصلنا إلى المشهد اللُّغوي، الذي تجلَّت فيه ملامح التطبيق.

وتميَّز أستاذنا د. إبراهيم بأساليب تدريسيَّة فريدة، ولاسيما في تنفيذ اختبار أعمال السنة، حيث أعطانا سؤالَيْن مفتوحَيْن، وخلال أسبوع بأكمله، ونحن في بطون الكتب نخوض المعارك للوصول إلى إجابة شافية كافية، ومع المشقَّة والعناء في البحث إلَّا أنَّ الفائدة المرجوَّة تحققت. وكلل ذلك كلّه د. إبراهيم بشمائل فاضلة وأخلاق جمَّة.

وأمَّا سعادة الأستاذ الدكتور عزالدين محمد المجدوب، فإنَّه تمكَّن من تدريس المقررَيْن “قضايا لسانيَّة” و”قراءات معاصرة للتراث” في جزئيهما الثاني، ويؤكِّد على ضرورة تحديد وضبط المصطلحات والمفاهيم؛ لضمان عدم التناقض العلمي والمعرفي.

وأشير هنا إلى أنَّ الفوائد منه جمَّة وكثيرة، يصعب تعدادها وحصرها في هذه الأسطر المحدودة، وممَّا يزيدنا شرفًا وسؤددًا أنَّ نتتلمذ لمثل هذا الأستاذ الضليع.

وثمرة التدريس هي الأثر الراسخ في ذهن الطالب، فقد كانوا هؤلاء الأساتذة الأجلَّاء خير معين لنا في هذه المرحلة التكوينيَّة المهمَّة، وما زلنا نتفيَّأ ظلال علمهم الوارف، إذ إنَّهم تركوا أثرًا علميًّا وزادًا معرفيًّا نقتات منه في مسيرتنا العلميَّة والعمليَّة.

كما نشكر قسم اللُّغة العربيَّة في جامعة القصيم ممثلًا برئيسه الفاضل سعادة الأستاذ الدكتور عبداللطيف بن محمد الجفن، الذي يولي طلاب وطالبات القسم الرعاية الفائقة، ويحرص كل الحرص على سير العمليَّة التعليميَّة وفق أعلى مستوى علمي، وقد تحقق -بحمد الله- هذا الهدف المتوخَّى.