العين العزيزية .. هبة الملك عبدالعزيز لإيصال المياه من وادي فاطمة لأهالي جدة



أولى الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – رحمه الله – اهتماما بشؤون المواطنين في أرجاء الوطن وعمل على تأمين مختلف متطلبات الحياة ، ومن ذلك جهوده في إيصال المياه لأهالي مدينة جدة نظراً لشحها في ذلك الوقت .

وأمر الملك المؤسس – رحمه الله – بتنفيذ مشروع ” عين العزيزية ” لإيصال المياه من وادي فاطمة إلى جدة عبر أنابيب مستوردة وأخرى مصنعة محلياً بمسافة 70 كيلومتراً ووصل أثره إلى مدينة جدة في يوم الجمعة غرة محرم 1367هـ فكان علامة فارقة لرفع معاناة أهالي جدة من شح المياه ، واستبشر الأهالي بتدفق المياه في خزان كيلو 14 في ذلك الوقت ، لتبدأ مرحلة جديدة من الأمن المائي .

وقبل ذلك المشروع كان الاعتماد على “الكنداسة” وهي آلة بخارية تعمل بخاصية تقطير مياه البحر لم تكن تفي باحتياجات السكان حيث بلغ أقصى إنتاج لها 135طناً يومياً، وكان يعتريها العطل بين الفينة والأخرى ، ونصيب الماء خلالها للميسورين ، أما متوسطو الحال والفقراء فقد كانوا يعتمدون على مياه البرك ، والصهاريج ، والمياه الأقل جودة التي كانت تُخزَّن في البيوت ، مما تبقَّى من مياه الأمطار .

وجاءت تسمية العين العزيزية نسبة للملك عبدالعزيز –رحمه الله- كإرث تاريخي ومصدر وحيد تقريباً لسقيا أهالي جدة حتى تاريخ 1389هـ عندما أنشئت محطة التحلية في جدة .

وبدأ مشروع العين العزيزية بتكلفة 6 ملايين ريال وهو مبلغ كبير بمقاييس ذلك الوقت وتبرع بها الملك عبدالعزيز آل سعود – رحمه الله – من حسابه الخاص ، وكان إيصال مياه أول عين من عيون وادي فاطمة إلى جدة خلال ثمانية أشهر بإشراف متخصصين من إنجلترا ومصر ، حيث قامت شركة جلاتلي هينكي الإنجليزية بتوريد المواسير والأنابيب والصمامات اللازمة ، كما أنشئ لاحقا خزان كبير لجمع مياه عيون وادي فاطمة في الكيلو 14 بطريق مكة المكرمة ، كما قامت العين العزيزية بإنشاء شبكة توزيع المياه في جدة لإيصال المياه نظيفة ومعقمة إلى الأحياء والمنازل والحدائق .

ويُجلب الماء خلال هذا المشروع إلى جدة من عيون وادي فاطمة ، التي اختير منها ثماني عيون ، وأخذ من كل عين ثمن مائها ، بحيث لا تختل مصالح أصحابها الزراعية ، وقد جرى تعويض أصحاب كل عين تم اختيارها عما يؤخذ من ماء ينابيعهم بما طابت به نفوسهم وقرت عيونهم ، وجيء بالماء في أنابيب بطريقة هندسية فنية ، فبلغ ما يصل منه إلى جدة يومياً عام 1383هـ 350 ألف طن ، وضوعف بعد هذا التاريخ حجم الأنابيب وعددها .

وقد بدأت العين العزيزية بخمسة أو ستة موظفين ، أشرف عليها بشكل مباشر جلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز -رحمه الله- ، وأطلق عليها اسم هيئة العين العزيزية ، وكان للملك فيصل – رحمه الله- قسط وافر في دعم مشاريع العين العزيزية ، فقد أصدر أمره بمنح العين العزيزية كامل الأرض المجاورة لمطار جدة ، لكي تقيم عليها إداراتها ، ومنها مدينة حجاج الجو أو مدينة “حجاج المطار” ، ولتكون هذه المدينة وقفاً ملحقاً بأوقاف العين ، ولبعد المسافة بين الخزان والبلد قررت إدارة العين العزيزية عمل شبكة مياه ومد المواسير من الخزان إلى البازانات التي أعدت خصيصاً لهذا الغرض، وكان توزيعها يشمل أنحاء المدينة آنذاك ، ومن أهمها بازانات القشلة ، والهنداوية ، والرويس ، والنزلة ، والبغدادية ، والشرفية ، وكيلو 4 ، والسبيل ، والبخارية ، والثعالبة ، والقريات ، والمحجر . ونتيجة لتفريغ كميات المياه الزائدة من الخزانات إلى الأرض للمحافظة على المواسير من الانفجار، ظهرت مزرعة كبيرة في جدة تسمى مزرعة كيلو عشرة ، التي أصبحت من أكبر المزارع آنذاك .

ومع دخول المياه عبر مياه عين العزيزية بدأت جدة في التوسع ، ففي العام نفسه التي دخلت فيه المياه (عام 1367هـ) هُدِم سور جدة ، وتبع ذلك نشوء أحياء جديدة ، مما استدعى إنشاء شبكة مياه لأول مرة ، وبدأت العين العزيزية في توصيل مواسير المياه مباشرة إلى المنازل عبر شبكة توزيع المياه ، وهو ما استدعى أن يدفع كل مواطن قيمة رمزية مقابل استهلاكه من الماء لعمل الصيانة اللازمة للأنابيب والخزانات وشبكة المياه ، وما يتطلبه ذلك من أعمال أخرى ، وكان الأجر رمزياً جداً ، وهو خمس عشرة هللة للطن للمساكن ، أما المرافق العامة وما في حكمها فقد كان لها أجر أعلى .

ولم تكن فائدة مشروع العين العزيزية مقصورة على جدة وأهلها فقط ، بل شملت غيرها من القرى والهجر الواقعة بمحاذاة خط الأنابيب على طريق مكة المكرمة / جدة ، حيث وضعت صنابير على مسافات متقاربة لكي تمد الحجاج والمسافرين وغيرهم من أهل البادية بالماء ، ونتيجة للطلب المتزايد على الماء فقد اضطرت إدارة العين البحث عن مصادر أخرى للماء ، فاتجهت إلى خليص، وكان جلب الماء منها في شهر ذي القعدة من عام 1387 هـ ، وبذلك لم تتوقف قصص النجاح في ري جدة وأهلها ، حيث تنعم بفضل الله بمياه محلاة معقمة صالحة للشرب .