الجرائم المدرسية … من المجني عليه ومن الجاني الحقيقي خلفها ؟!!



بقلم /  عفاف الثقفي

تبقى بعض الأحداث حولنا مجرّد حالات فردية لها أسبابها الخاصّة ، ولكن مع تزايد الحالات حتماً سنطلق عليها مسمّى الظاهرة التي على الجميع أن يتصدّى لها إذا ماكانت تدل على سلوك عدواني سواءً بفكرنا وأقلامنا ولساننا ويدنا إن أمكن.

فقد شهدت مدارسنا في الآونة الأخيرة تطوّراً ملحوظاً في سلوك الطلاّب والعداء المعلن بينهم فأصبح الكثير منهم يصفّي حساباته مع أصحابه بالطريقة التي يراها تناسبه حتّى لو أفضى ذلك لمشاجرة دامية وإزهاق روح بريئة مهما كان السبب.

نحن لن نقول أنّ مايحدث بالنهاية هو قضاءً وقدر ولن نلقي باللّوم على دور الأسرة في تأجيج نار الفتنة في نفوس أبناءهم ولن نقول غاب العقل وحضر الشيطان.

فالطالب القاتل والطالب المقتول لن يوجهوا أصابع الإتهام للوالدين والثأر والإخوة والشيطان ، فما حدث داخل أسوار المدرسة هو مسؤولية القائمين والموجودين فقط بهذه المدرسة.

نحن أمام قضية علينا أن ندرك أبعادها وأسبابها ومتى ماعرفنا ذلك سنجد الحل الجذري لتصبح القضية برداً وسلامًا وكأنها شيئاً لم يكن.

برأيي أنّ الأسباب لاتخرج عن خمس.
الوزارة..المدير..المرشد الطلّابي..المعلم..ثمّ الطالب..

وهو في كلّ الأحوال مجني عليه وإن كان قاتل ، لأن الأصل في الجريمة الأطراف الأربعه السابقه ، الوزارة عليها نلقي الدور الأوّل في مايحدث من جرائم داخل أسوار مدارسنا.

فحين كان المجتمع يحترم المعلّم ويعي دوره العظيم لم يكن هناك من يتجرّأ على أن يرفع عينه بعين المعلم فكيف بيده ، قتلوا قيمة المعلّم فتناحر الطلّاب وكثرت الصراعات والجرائم المدرسية.

ماقيمة تطوير المناهج وإضافة برامج ودراسات وأنظمة وتعاميم واستراتيجيات متخلّفة لم تُضف للعملية التربوية التعليمية سوى مزيداً من الجهل ، ومادور التصريحات الوزارية المجحفه بحق المعلم سوى أنها أضافت كماً من الإحتقار لقيمة المعلّمين كافةً وانحدار النظرة له إلى أدنى المستويات.

ثانيا المدير ، هو القائد الذي يستطيع تسيير الجميع للأمام أو إبقاءهم في الخلف دوماً فهو المحرّك الأوّل لكلّ مايجري ، والإدارة الناجحة لاتعني الجلوس على مقعدٍ فاخرٍ من جلد ، بل هي الأمانة والمسؤولية والمراقبة والعطف والحزم.

على كلّ قائد ألاّ يجامل في العمل وأن يعرف كيف يقول( لا ) في الوقت المناسب فلا يغض الطرف عن غياب المعلّمين وتأخّرهم واستئذاناتهم وإهمالهم بلا سبب ، عليه أن يحرص على وجود المعلمين بفصولهم منذُ الدقيقة الأولى وحتّى الأخيرة فالمال السائب يعلّم السرقة والوقت الذي يترك فيه الطلاب بلا رقابه هو المسرح الملائم لوقوع أي جريمة سواءً بالفصل أو بالفناء المدرسي ، وعلى ذلك لابد من تفعيل دور المناوبه والرقابه الصّارمه في كافة أرجاء المدرسة.

المرشد الطلابي ، والذي أصبح مجرّد صورة في مدارسنا ، فالأغلبيه لايملكون شهادة متخصصة فإما معلّم رسم أو رياضة أو دين وغيره ولاعلاقة لهم بالعلم النفسي والإجتماعي ولايعرف خصائص نمو الطلاّب في هذه المرحلة ، فعلى كلّ مرشد أن يرفض هذا التكليف إن كان لايفقه فيه شيئاً أو يراعي الله ويكن بقدر الأمانة فيعمل جاهداً على دراسة النزعات والدوافع والمؤشرات الإجرامية فيكون نعم الأب المرشد لهؤلاء الطلاب وأن يفعّل دور المحاضرات والندوات والبرامج التوعويه التي تنمّي العقليات وتهذب السلوك.

فكم من قلوب حاقدة قد يحتويها هذا المرشد النبيه فتتحوّل لصداقات عميقة بفضل وقفته ودوره وكسبه لقلوب هؤلاء الطلاب.

الطرف الرابع في هذه القضية هو الطرف الأهم ، الطرف الذي يقضي أكثر الوقت مع الطالب ، إنّه المعلم الذي يسمع ويرى يومياً مايحدث داخل غرفة الصف ، بذكائه يستطيع أن يلمس مالا يلمسه الآخرين من أفكار وسلوك تسيطر على الطلاب نحو بعضهم.

على المعلم ألا يقتصر دوره على التعليم ، فالمنهج ليس أكثر أهمية من عقول وأرواح الطلاب ، على المعلم أن يرفع قيمته بنفسه وإن أجحفت الوزارة والمجتمع بحقه ، من إئتمنك على عقل ابنه هو يئتمنك على روحه أيضاً ، لاتتردد في أن تكون النور الذي ينير ظلمات العقول الجاهلة ، ويغرس بذور الصفح والعفو والحب عملاً بماجاء في القرآن والسنّة.

لاتعمل لمصلحة الطلّاب فقط ، تذكّر أنّك في مكانٍ تشهد لك فيه الملائكة بما صنعت ، أنت مؤتمن عن كلّ ثانية من زمن الحصة ومؤتمن على كلّ سلوك لم توجّهه ، وعن كلّ علمٍ كتمته وعن كلّ خلقٍ لم تنصح به.

طلابك ، لاتزهق الخير في نفوس الطلاب فينتصر الشر عليهم وتتفشّى الجرائم داخل مدارسنا ثمّ تقول أنا جئت لأعلّمهم لا لأربيهم ، كن خليفة الأنبياء في عملك والقدوة الصالحة لطلابك واغرس في طلابك القيم والمباديء التّي ستكون شاهدك في يوم الحساب.

الطرف الخامس ، وهو الطالب ، الذي ننتظر منه جميعاً أن يكون خير ساعد وحامل لراية الدين والوطن ، الطالب الذي جنّدت كافة الأسباب لتعليمه فقط وأضيفت كلمة التربية جزافاً ولم يُعمل بها ، الطالب الذي غداً ستوكل له مهمة بناء دولة وحمل راية توحيد ، لكنّنا تجاهلنا دور التقويم النفسي والأخلاقي خصوصاً في مراحل نموّه ومراهقته بالأخص.

نقول للطالب ……
لو قدّر لك أن تكون أباً ، هل تتمنّى أن ترى ابنك قاتلاً ، أو مقتولاً ، هل تظن أنّ الإسلام أجاز قتل النفس والمشاحنة والبغضاء.

هل تؤمن بأن المسلم قد يدخل الجنة بأخلاقه رغم جهله بينما قد يدخل النار فاسداً رغم علمه ، هل أجاز لنا الشرع إستباحة دماء وكرامة وحرمة النفوس فقط لنأخذ حقوقنا بطرق غير مشروعة.

إنّها رسائل لاتستغرق منّا وقتاً لزرعها في النفوس بقدر مايستغرقه الوقت في البكاء وندب الحظ عند وقوع تلك المشكلات السلوكية لأبنائنا.

فليس صعباً علينا أن نقوم بدورنا ونتكاتف ونضع أعلى الإعتبارات للدين والخلق والمكان والأمانة لنقضي على الجرائم وتصبح مدارسنا نموذجاً صالحاً ومكاناً آمناً لأبناءنا ، حتى لاتنشط في مجتمعنا ظاهرة الأخطاء التعليمية وتتغلًب مع الوقت على كارثة الأخطاء الطبية.