الأمل في قادم أيامنا



بقلم الاستاذ / عواض الثبيتي

قبل يومين قال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- في تغريدة من حسابه الرسمي على تويتر: ” نحمد الله أن أكرمنا بحلول عيد الفطر المبارك بعد أن منَّ علينا بصيام شهر رمضان وقيامه . نرى الأمل في قادم أيامنا متحلين بالعزم والإيجابية؛ لنتجاوز كل بلاء. ونسأل الله أن يعيده علينا وعلى العالم أجمع ونحن أعز شأنًا، وأحسن حالاً. ‏وكل عام وأنتم بخير”
وبهذه العبارات البليغة الموجزة أرسل حفظه الله رسائل تبعث في النفوس التفاؤل والرجاء في الفرج بعد الشدة والايجابية في التعايش مع الوباء والظروف التي فرضها.
واليوم تعلن المملكة العربية السعودية عن خطتها للعودة للحياة الطبيعية بعد جهود مكثفة خلال الفترة الماضية للسيطرة على الوباء ومنع انتشارة مستعينين بالله وواثقين في فرجةالقريب وان العسر يعقبه اليسر.
وقد تحدثت في مقالة سابقة ( أبشروا وأملوا خيرا ) قبل سهر تقريبا في هذه الثحيفة الغراءعن التفاؤل وأثره في حياة الإنسان بشكل عام والمسلم بشكل خاص وذكرت بعض الآيات القرآنية التي تحث عليه وأخرى تدعو الإنسان إلى الفزع إلى ربة كلما ألمت به ضائقة أو أصابته مصيبة .
ومع ازدياد أعداد المصابين بوباء كورونا المستجد COVID-19 وتكثيف الجهود الاحترازية الإضافية ، يجب ألا يزيدنا ذلك إلا ثقة في الله واطمئناناً بقرب فرجه بكشف الضر لأنه إذا اشتد الكرب واستحكمت حلقاته وعظم الخطب كان الفرج في الغالب قريبا ، وقد سجلت المملكة في أول أيام العيد وثاني أيام العيد انخفاضا في عدد الإصابات بالفيروس ، بعد أن شهدت الأسابيع السابقة ازدياد في عدد الإصابات .
وهذا من أسرار ولطائف اقتران الفرج باشتداد الكرب ، أن الكرب إذا اشتد وعظم ووجد اليأس من كشفة من قبل المخلوقين وقع التعلق بالخالق، وإذا وقع التعلق بالخالق استجاب الخالق وكشف الكرب .قال تعالى ﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾.يوسف (110)
وهذا ما نلاحظه ونسمعه من جميع أفراد المجتمع والمقيمين وجميع المسلمين فالألسن تلهج بالدعاء والقلوب متعلقة بالقادر المغيث .فالأمر فوض لله ولله الأمر من قبل ومن بعد . أخذنا جميع الاحترازات و الاحتياطات وتوكلنا على الله. والتوكل على الله من أعظم الأسباب التي تطلب بها الحوائج فإن الله يكفي من توكل عليه
قال تعالى (..وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُه..) الطلاق3
نعم نتوكل على الله ونجاهد الشيطان الذي يقنّط العباد من رحمة الله وفرجة ونستمر في الدعاء مهما أبطأ الفرج لأن الله يستجيب للعبد ما لم يعجل كما جاء في الحديث الصحيح. ونعلم أن نعم الله على عبده المؤمن في البلاء أعظم من نعمه عليه في الرخاء كما في صحيح مسلم عن صهيب الرومي أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم ( عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له ).
فالله لا يقضي قضاء إلا خير ا ولحكمة لكننا نجهل الحكمة ولا نعلم الخير فيما يكون وقد قال عمر :ما أبالي أصبحت على ما أحب أو على ما أكره لأني لا أدري الخير فيما أحب أو فيما أكره. وكيف لا نتوكل على المجيب الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء؟
قال تعالى( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ سورة النمل آية: 62]
نعم نثق بالله ونطمئن لأنه
المغيث الذي يغيث من استغاثة وكلنا نستغيث به ونتضرع إليه
والحفيظ الحافظ لجميع خلقة من المهالك وكلنا نسأله الحفظ
والحليم الذي لا يعاجل بالعقوبة وكلنا نسأله الحلم قال تعالى ( ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى…. ) فاطر45
واللطيف البر بعباده المحسن إلى خلقة برفق ولطف وخفاء ودقة في إكرامه وإحسانه وعصمته وهدايته وفي تقاديره وتصاريفه
القوي تام القدرة والقوة الذي لا يعجزه شيء فأمره بين الكاف والنون
العفو الصفوح عن الذنوب تارك العقوبة عليها وعلى كثير من السيئات
الغفور الغفار كثير المغفرة وساتر العيوب والذنوب و الذي يأمر رسوله ببشارة عبادة الذين أسرفوا على أنفسهم بعدم القنوط من رحمة الله قال تعالى
﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53
فينبغي أن نتيقن أن هذا الوباء هو ابتلاء من الله والله يبتلي بالخير والشر قال تعالى : ( وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ ) الأنبياء/ 35 وهو اختبار وتمحيص وتكفير وإن الله ابتلى الأنبياء وهم صفوة الخلق والصالحين والأمثل فالأمثل كما في الحديث
عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: ” قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً ؟ ، قَالَ: ( الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ ، فَمَا يَبْرَحُ البَلَاءُ بِالعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ(
فلا ننظر لهذا الوباء نظرة سوداوية وأنه بسبب ذنوبنا وخطايانا . نعم ينبغي أن نحاسب أنفسنا في كل وقت في السراء والضراء ولكن لا نبالغ في جلد ذواتنا ونيأس من رحمة الله ونقنط ونقنّط من حولنا ونظن بالله خير فالله عند ظن عبده . ونستيقن أن الغني مستغني عن كل شيء بقدرته وعز سلطانه ، والخلق فقراء إلى كرمه وإحسانه، فلا تضره معصية العاصين ولا تزيد في ملكه وعظمته طاعة وتقوى المتقين وأنه يعلم ضعفنا وإسرافنا في أمرنا وخطايانا با لليل والنهار ورحمة بنا أمرنا بالاستغفار كما في الحديث الطويل
(…..يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي! إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعًا فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئًا، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئًا….)
فلنكثر من الاستغفار ونسأل الله الفرج القريب ونشكره على نعمه الجسام فشكر النعمة نعمة
كما قال محمود الوراق
إذا كان شكري نعمة الله نعمة على له في مثلها وجب الشكر
فكيف وقوع الشكر إلا بفضله وإن طالت الأيام وأتصل العمر
إذا مس بالسراء عم سروها وإن مس بالضراء أعقبها الأجر
وما منهما إلا له فيه منة تضيق بها الأوهام والبر والبحر
ومضة أخيرة
يا مالك الملك فادفع ما ألم بنا فمالنا بتولي دفعه قبلُ