الأحكام البديلة غائبة عن محاكمنا



بقلم المستشار الأسري : عيد بن محمد العويش

جميل تلك الخطوات الجيدة لوزارة العدل في جانب حفظ حقوق الناس المالية عبر خطواتها السريعة في هذا المجال من خلال إجراءات كبيرة ومؤثرة في الجانب المالي إلا أن الطريق مازال طويلا أمامها في جوانب أخرى لا تقل أثرا على الأسرة والمجتمع والتي من أهمها تفعيل وتنشيط الأحكام البديلة (العقوبات البديلة) فليس منطقيا أبدا أن يسجن شخص ما ذو جناية لا يتعدى حكمها أشهر مع مساجين ذوي مدد كبيرة وأصحاب قضايا خطيرة أو أن يزج بشخص تعدى سنواته ال18 بأشهر قليلة مع هؤلاء ، مع ما يشوب ذلك من مخاطر كبيرة لا تسهم في إصلاح أشخاص ذوي محكوميات قليلة أو ذوي أعمار صغيرة ، والمسؤولية هنا على القضاة وإدارات السجون بمعالجة ذلك من خلال أحكام بديلة تجعلهم ينخرطون بتقديم خدمات اجتماعية تسهم في تهذيب سلوكهم وقد تجعلهم أعضاء نافعين مع تبصيرهم ببعض المخاطر والضرر الذي سيلحق بهم نتيجة هذا الفعل.

وعلى سبيل المثال إلزام بعض المفحطين ومتهوري القيادة ومخالفي أنظمة المرور بتقديم خدمات تتناسب مع أعمارهم وخبراتهم وذلك في بعض مستشفيات تأهيل مصابي الحوادث المرورية وأتوقع أن هذا سيكون له الأثر الفاعل في كبح جماح التهور لديهم وبالتالي سينقلون مشاهداتهم لأقرانهم ونكون بذلك قد حققنا الهدف دون أن ُتقدم المحكمة على سجن مثل هؤلاء وإن لم يتسن ذلك فمن المهم إيجاد أقسام لهؤلاء تكفل عدم اختلاطهم ب (عتاولة ) الإجرام.

كما أنني في هذا الجانب أود أن أشير إلى أن القضايا الأسرية والتي فيها جوانب تربوية ونفسية واجتماعية مؤثرة في الفرد والمجتمع من الأهمية عدم إسنادها إلا للقضاة ذوي الحكمة والدراية بتأثيرات أي حكم قضائي على الأسرة وأن يكون من ذوي العمر المناسب الذي يكفل له استيعاب تأثيرات تلك الأحكام على الأسر وأتوقع أن وزارة العدل غير غافلة عن هذا الجانب.

الحكم القضائي المبني على مواد ولوائح بعيدا عن الجوانب النفسية والإجتماعية سيكون مؤثرا جدا على الأسر وقد يضع تلك الأسرة في مهب الريح إذا لم تراعى تلك الجوانب.

إنني لا أدعو إلى التهاون بالأحكام القضائية ولكن عندما يزج بطفل ذي 12عاما في دار ملاحظة مع مايقدم لهم من برامج ليست بالقدر الكافي بلا شك أنه لن يصلح حال هذا الطفل بل أن وجود مراكز متخصصة بالمعالجات النفسية والسلوكية والتربوية أجدى من وضعه في أماكن مغلقه وإعطاؤه برامج معلبة وقسرية لن تفيده أبدا .

وهذه الجوانب من المهم أن يكون لها حضورا في كل حكم قضائي يمس الأسرة أو العائل لتلك الأسرة فهل من النافع أن يسجن مسن بقضية مالية ذات آلاف قليلة لعدم استطاعته الإيفاء بها وما يترتب على هذا السجن من أثر سلبي جدا على الأسرة إضافة إلى ما يسببه ذلك من تكدس أعداد كبيرة بالسجون وإضافة أعباء مالية وبشرية على السجون ولماذا لا يتم جدولة مديونية هؤلاء وأن لا تكون أحكام السجن بتلك القضايا إلا في قضايا مالية كبيرة .

المدمنين الذين تصدر بحقهم محكوميات بالسجن رغم حاجتهم الماسة للمعالجة النفسية والصحية أليس أنفع لهم أن يكون حجزهم بمراكز صحية بعيدا عن السجون العامة وليكن ذلك في مستشفيات الأمل والصحة النفسية .

قلة أعداد القضاة في كثير من المناطق يسهم بلا شك إلى تكدس القضايا وإطالة النظر فيها لمدد زمنية كبيرة إضافة إلى أن لائحة الإجازات للقضاة تجعلهم يتغيبون وفق الصلاحية المعطاة لهم دون النظر ما يسببه هذا الغياب من زيادة التكدس في القضايا وهذا يستدعي أن يكون هناك على الأقل معالجات جيدة لهذا الجانب وليكن بتفعيل خارج الدوام وأن تكون هناك جلسات مسائية فبعض القضايا لا تحتمل التأخير .

ويبدو أن وزارة العدل لديها توجه بعدم قصر وظيفة القضاة على خريجي الشريعة بالجامعات وإتاحة الفرصة لخريجي القانون لممارسة مهنة القضاء وهذا بلا شك سيكون لها أثر جيد في هذا المجال مع مراعاة أن يكون لدى الجميع الإلمام الكافي بالجوانب الأسرية والنفسية والتربوية على الفرد والمجتمع وأن يكون لذلك حضور قوي بأي حكم قضائي مع عدم إغفال الحقوق الشرعية والقانونية لأصحاب الحق .

يجب أن تكون المحكمة بيت الأمان والاطمئنان وأن تكون لها بصمات واضحة في إصلاح المجتمع وأن تسهم بتوصيات ودراسات للواقع القضائي والقضايا المتداولة من طلاق وحضانة وخلع وقضايا مالية وجنائية وغيرها واقتراح الحلول المناسبة بالتعاون مع المختصين فالمحاكم يتاح لها كم كبير من المعلومات عن الواقع الخفي لكثير من الناس لربما لم يتاح لغيرها وهذا يجعلها تستطيع الرفع بتوصيات تسهم في الحد من بعض القضايا بما يتوفر لديها من معلومات يجب أن تستثمر في إصلاح المجتمع.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


مواضيع ذات صلة بـ الأحكام البديلة غائبة عن محاكمنا

جميع الحقوق محفوظة صحيفة الراية الإلكترونية ©

تصميم وبرمجة شركة الفنون لحلول الويب