لُطف العتاب



بقلم الكاتبة : مروة بصير

قد يتعرض الواحد منّا إلى موقفٍ يجرحه أو يؤلم قلبه، من قريبٍ عزيز أو صديقٍ أثير، فيكتم ألمه ولا يبديه. ملبياً لدعوات كثيرة بترك “اللوم” والعتاب بحجة أنه يفتح أبواباً للجدال أو أن يساهم في “تكبير” القصة ومضاعفة آثارها.

ولكنّي أعتقد أن هذا الكتمان خاطئ في حق النفس أولاً، وفي حق العلاقة نفسها ثانياً، وأيضاً في حق الطرف المُلام الذي حُرم فرصة الدفاع أو الاعتذار.

إن النفس لن تُجرح أو تصاب بالأذى من كل عابر مر بنا بالتأكيد، بل من شخصٍ له مكانة عالية خاصة في القلب، وأعتقد أن كتمان الأذى وعدم المصارحة به سيجعل هذه المكانة تختل وهذا الحب ينقص، وقد يضر العلاقة على المدى البعيد، لذا أنا أنصح بالعتاب والمصارحة حين يصيب حبيبٌ لك قلبك بسهم مؤذي وجارح.

ولكن أي العتاب أقصد؟

إن العتاب الذي أقصده هنا هو العتاب اللطيف الذي تسعى من خلاله لتجديد العلاقة وبناءها لاهدمها وتشويهها، العتاب للمواقف التي تستحق التي اوغلت صدرك، ليس في كل صغيرة يمكن تجاهلها والتغاضي عنها، العتاب الذي يكون بالصوت الهادئ، وبالسؤال المهذب، أن تمنح الطرف الآخر الفرصة الكاملة للتبرير أو الاعتذار والاصلاح. لذا لا تعاتب حين تكون غاضباً وشديد الاستياء، بل اترك لنفسك برهة من الزمن لتهدأ وتعود لذاتك وتفهم لماذا آذاك هذا الفعل واحزنك، حتى يكون لك موقفاً واضحاً حين العتاب، وكذلك لتمنح نفسك فرصة لتتذكر مآثر هذا الصديق/القريب السابقة وحسناته معك.

وعلى الطرف الآخر الذي يقع عليه العتاب واللوم، أن يعي أن هذا العتاب إنما هو دليل حب وحرص على العلاقة، فعليه أن يستمع بعقل وقلب مفتوحين حريصين على العلاقة وإحياءها، ويجب أن يقف مع نفسه أيضاً ويراجع افعاله، فإن كان محقاً فليبرر بلطف موقفه وليشرح اسبابه، وإن كان مخطئاً فلا يتكبر أو يتجبر وليعتذر صادقاً وليصلح ما افسده.

إن كان الله سبحانه وتعالى، عالم السر واخفى، الذي يعلم ما انفسنا، قد عاتب النبي صلى الله عليه وسلم في سورة التوبة وفي قصة المخلفين عن غزوة تبوك حين قال:  {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ}  فتأملوا لُطف العتاب هنا، حيث ابتدأه الله عز وجل بالعفو أولاً ثم السؤال المختصر عن الواقعة!

نعم إن العتاب حق لنا وعلينا، وأي حق متى ما أُجدنا استخدامه نفع.