صناعة كسوة الكعبة المشرفة في العهد السعودي تجسد الاهتمام بالبيت العتيق



يمثل العهد السعودي امتدادًا لصناعة كسوة الكعبة المشرفة التي ابتدأتها “قريش” واستمر عليها الخلفاء الراشدون مرورًا بمختلف الحقب والأزمنة كأهم مظاهر الاهتمام بالبيت العتيق.

وعُرف أن الرسول صلى الله عليه وسلم كساها بالثياب اليمانية، ثم كساها الخلفاء الراشدون من بعده، أبو بكر وعمر بالقباطى، وعثمان بن عفان بالقباطى والبرود اليمانية، حيث أمر عامله على اليمن “يعلى بن منبه” بصنعها فكان عثمان أول رجل في الإسلام، يضع على الكعبة كسوتين، إحداهما فوق الأخرى.

واستمر العمل في كسوة الكعبة في عهد بنى أمية، والعصر العباسي، وعصر المماليك، وفي مستهل المحرم من عام 1346هـ، أصدر الملك عبد العزيز –رحمه الله- أوامره بإنشاء دار خاصة بصناعة الكسوة في أجياد، فكانت أول مؤسسة خصصت لحياكة كسوة الكعبة المشرفة في مكة المكرمة منذ تاريخ كسوة الكعبة ، ووفرت الحكومة السعودية الإمكانيات اللازمة لصناعة الكسوة من الحرير الأسود وتوفير الفنيين اللازمين للعمل في شتى المراحل، وكانت تلك الكسوة تتمتع بحسن الحياكة وإتقان الصنع وإبداع التطريز.

ووثقت دارة الملك عبدالعزيز تاريخ صناعة كسوة الكعبة، حيث كانت أول كسوة في العهد السعودي عام 1346هـ وانتجت في دار الكسوة التي بدأ عملها في هذا العام، واستمرت في صناعتها حتى عام 1358هـ، ثم أغلقت الدار، وفي عام 1381هـ تم إعادة فتح وتشغيل مبنى تابع لوزارة المالية بحي جرول، يقع أمام وزارة الحج والأوقاف سابقًا، وأسندت إليه إدارة المصنع، وظل هذا المصنع يقوم بصنع الكسوة الشريفة إلى عام 1397هـ، حيث نقل العمل في الكسوة إلى المصنع الجديد، الذي تم بناؤه في أم الجود بمكة المكرمة، وما زالت الكسوة الشريفة تصنع به إلى وقتنا الحالي.

وعلى خطى المؤسس الملك عبدالعزيز – رحمه الله – واصل أبناؤه البررة من بعده العناية بالكعبة وكسوتها خير عناية وتعظيم؛ فقد صدرت موافقة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود – رحمه الله – على تحديث وتغيير الأنظمة الإلكترونية والأجهزة الكهربائية والمعدات الميكانيكية بمصنع كسوة الكعبة المشرفة بما يوافق الأنظمة المستحدثة، وتعد هذا الخطوة نقلة تطويرية متقدمة في مجال صناعة رداء الكعبة المشرفة و لا تزال في قيد التطور.

وصدرت موافقة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله – بتغيير اسم مصنع كسوة الكعبة المشرفة إلى مجمع الملك عبدالعزيز لكسوة الكعبة المشرفة وذلك في شهر شعبان 1438هـ.

يذكر أن مراحل صناعة كسوة الكعبة المشرفة تمر بمجموعة من الأقسام الفنية والتشغيلية منها الصباغة، ثم النسيج الآلي الذي يحتوي على العبارات والآيات القرآنية، ثم قسم المختبر حيث يجري الاختبارات المتنوعة للخيوط الحريرية والقطنية من أجل التأكد من مطابقتها للمواصفات القياسية المطلوبة من حيث قوة شد الخيوط الحريرية ومقاومتها لعوامل التعرية إضافة إلى عمل بعض الأبحاث والتجارب اللازمة لذلك، ويأتي بعدها مرحلة تطريز الحزام وخياطة الكسوة وأخيراً وحدة العناية بالكسوة .

وعقب انتهاء جميع مراحل الإنتاج والتصنيع وفي منتصف شهر ذي القعدة تقريبًا يقام حفل سنوي في مصنع كسوة الكعبة المشرفة يتم فيه تسليم كسوة الكعبة إلى كبير سدنة بيت الله الحرام وبدوره يقوم بتسليمها للرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، وتأتي آخر قطعة يتم تركيبها وهي ستارة باب الكعبة المشرفة وتعد أهم مراحل عملية تغيير الكسوة، وبعد الانتهاء منها تتم عملية رفع ثوب الكعبة المبطن بقطع متينة من القماش الأبيض، وبارتفاع نحو ثلاث أمتار من شاذروان “القاعدة الرخامية للكعبة” والمعروفة بعملية “إحرام الكعبة”، ويرفع ثوب الكعبة المشرفة بهدف حمايته.

وتستبدل الكعبة كسوتها مرة واحدة كل عام وذلك أثناء فريضة الحج، فبعد أن يتوجه الحجاج إلى صعيد عرفات، تقوم الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف بمتابعة تغيير كسوة الكعبة المشرفة واسدال الثوب الجديد عليها، استعدادًا لاستقبال الحجاج في صباح اليوم التالي يوم عيد الأضحى المبارك.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


مواضيع ذات صلة بـ صناعة كسوة الكعبة المشرفة في العهد السعودي تجسد الاهتمام بالبيت العتيق

جميع الحقوق محفوظة صحيفة الراية الإلكترونية ©

تصميم وبرمجة شركة الفنون لحلول الويب