إمام وخطيب الحرم النبوي .. لا يسع ذو الفطرة السوية حين يتأمل هذا الخلق إلا أن يخر لله ساجداً في محراب العبودية



أوصى إمام وخطيب المسجد النبوي فضيلة الشيخ الدكتور أحمد بن علي الحذيفي المسلمين بتقوى الله عزو وجل.

وقال فضيلته:‏ اعلموا أن التقوى عروة لاتنفصل ومعقد لا ينحلّ وثوب لا يخلق وحبل لا يرثّ فهي كفاية ووقاية ( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ), أيها المؤمنون والمؤمنات إننا حين نتصفح كتاب الكون ونقلب صحائفه ونسرح طرف التأمل فيه لنتملّى بدائعه ولطائفه ليصيبنا الدهش ويتملكنا العجب من هذا الإبداع الرباني الجامع بين الكمال والجمال كمال الصنعة وجمال الصورة وبين الدقة والرقة , دقة النسج ورقة الوشي في وزان دقيق بين كمال الصنعة وإحكام إنشائها وجمال الصورة وحسن بهائها فلا غلبة لأحدهما ولا طغيان ( بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ) , لا يسع ذو الفطرة السوية حين يتأمل هذا الخلق إلا أن يخر لله ساجداً في محراب العبودية، لما تدعو إليه شواهد الربوبية الناطق بها هذا الخلق العجيب، المنتثرةُ في كل ذرة من ذرات هذا الكون الرحيب.

وأكمل فضيلته: أيها المؤمنون إنكم لتنعمون هذه الأيام بما درّت السماء من مائها، وأنبتت الأرض من خضرائها، وما ازَّين به وجهها من حسنها وبهائها، فاغتسلت الأرض بماء المزن، واختالت في ثياب الحسن، وإنكم لتتقلبون في خصب الديار بعد جدبها، وبفيض السماء بعد قحطها، فكأن مبسم السماء قد افتر بعد عبوس، تعرف في وجهها نضرة النعيم بعد البؤس، وكأن ظهر الأرض قد بدّل لبوساً بلبوس، وكأنك تسمع للكائنات سروراً به صوت غير صوتها، (فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها).

وأضاف: ‏أيها المؤمنون إن نزول الغيث من أعظم الدلائل على ربوبية الله وقدرته ووحدانية، وانفراده بالخلق والتدبير، دلالة تستلزم توحيده بالعبادة والألوهية، فالمنفدر بالربوبية هو المستحق وحده للعبادة.

واختتم إمام وخطيب المسجد النبوي فضيلة الشيخ الدكتور أحمد بن علي الحذيفي الخطبة بقوله: ألا وإن المؤمن يتذكر بنزول الغيث وتبدل الأحوال من الخصب إلى الجدب أن هذه الدنيا لا تدوم شدائدها ولا تمتد مسراتها، فتعظم رغبته في دار النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول، ولا يبتئس بما قد يعرض له، ولا يعظم في صدره ما قد ينزل به، قال تعالى: (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).