القحطاني حظيت بعائلة قدمت لي كل الدعم لعلّي أكون كما تمنوا وأكثر



فجر القحطاني في لقاء خاص مع “صحيفة الراية الإلكترونية “: قرار الابتعاث الخارجي لم يكن سهلاً أبداً بدايةً ظننتُ أني أُجبِرت عليه بحكم تخصصي؛ ولكن الآن أشعر بأنها مرحلة ثرية برغم كل عقباتها وصعوباتها كان كل شيء على ما يُرام إلى الليلة الأخيرة قبل السفر.

أجرت صحيفة ” الراية “ الإلكترونية حواراً مع المدربة والمُحاضرة العلمية المتميزة في مجال الفيزياء النووية التي لطالما كانت فخرًا لنفسها أولاً ورمزًا يحتذى به للفتاة السعودية من أستراليا تنسج لنا أحرف من ذهب فجر القحطاني في سطور.

بالبداية عرفينا عنك؟

فجر القحطاني عضو هيئة تدريس تخصص الفيزياء النووية مدربة معتمدة من المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني.

حدثينا عن بداية مشواركِ؟

ابتدأت دراستي الجامعية في كلية العلوم بجامعة الملك خالد بأبها بعد تحدٍ كبير قررت خوضة مع نفسي ومع من حولي في خوض غمار “الفيزياء” التخصص المعقد جداً لدرجة استحالة دراسته في نظر من حولي.

بعد أن أنهيت سنة دراسية صعبة بكل ما فيها مروراً ببُعدي عن والدي ووالدتي للمرة الأولى وانتهاءً بالدراسة الشاقة جداً مع تغيير نظام الدراسة إلى نظام الساعات في تلك السنة قررت الانتقال إلى كلية العلوم ببيشة لأحظى بقرب عائلتي من جديد ولكني في هذه المرة عانيت طريق “تثليث- بيشة” المُضني وصعوبة الانخراط في مجتمع وبيئة جديدة مختلفة عن سابقتها مع أن الجميع كان متعاونًا وخدومًا جدًا ولكن يبدو أن صعوبة هذه السنة جعلتني منغلقة على نفسي حينها.

اجتزت بتوفيق الله سنتين ونصف لم أكن أعلم عندها ما ترتيبي في القائمة لأني محوّلة من كلية أخرى؛ بل إن كل ما كان يهمني حينها أن أنجح فقط حتى ما قبل حفل تخرجنا بيومٍ واحد فقط فقد أسرّت إحدى زميلاتي لي بأن ترتيبي الثاني على دفعتي وللأمانة كانت المفاجأة الأجمل والتي لم أتخيلها أبدًا فرحتي بها لا توصف جعلتني -بعد الله- أُصِّر على التقديم على الوظائف الأكاديمية لأتعين بعدها كمرشحة أولى للإعادة بكلية العلوم ببيشة قبل أن انطلق في مشوار الماجستير، وتطوير الجانب التدريبي لدي لأتمكن من أداء رسالتي ومساعدة من حولي للتطوير من ذواتهم ونشر الثقافة الأكاديمية -التي افتقدت من يرشدني إليها في مشواري- لكل من يحتاجها.

ما الأثر الذي انعكس على أولى خطواتكِ في الغربة؟

بدايتي كانت في ملبورن (أستراليا) التي احتضنت تفاصيل الغربة الأولى عن موطني الغالي والتي كانت- برغم صعوبتها وثقلها- استثنائية الجمال والشعور.

تجربة مواجهة الحياة بكافة تفاصيلها وصعوباتها مُثرية بحد ذاتها للعقل والقلب أيضًا أمضيت سنة في ملبورن الفاتنة درست فيها اللغة الإنجليزية غيّرت في شخصيتي الكثير برغم أنني أحب أن أتبادل خبراتي مع الجميع وأنشر ما أظنه مفيد إلا أنني اجتماعية بحدودٍ كثيرة جدًا وهذا ما غيرته السنة الأولى بعد أن استفدت من مشاركة خبراتي وتجاربي البسيطة مع صديقاتي كنّ يلجأن لاستشارتي في الأمور الإدارية والتنظيمية لمشوارنا الأكاديمي ويلححن كثيرًا عليَّ أن أشارك هذه الخبرات على مدى واسع لتعم الفائدة وهو ما جعلني أشارك خبراتي وتجاربي مؤخرًا عبر حساباتي في مواقع التواصل الاجتماعي لعلها تكون دليلاً لمن يحتاجها كما كنت يومًا أفتقد من يرشدني في هذا المجال.

ما هي أبرز التحديات التي واجهتكِ؟

التحديات كثيرة جداً وأُؤمن أنها طبيعية في أي مشوار وبصراحة أشعر أنه من الظلم أن أذكر إحداهن وأتجاهل الأُخرى لأن لكل منهن أثر في داخلي ولكن التحدي الأعمق والأطول كان خلال دراستي للحصول على درجة الماجستير كانت درس عنوانه “الصبر” امتد لمدة عامين دراسيين حتى وجدت النتيجة اخترت تخصص الفيزياء النووية حُبًّا فيه ورغبة في تحدي ذاتي في تخصص صعب كهذا ولكني تفاجأت منذ بدأت المستوى الأول في الرسالة العلمية بعالم رهيب مختلف تمامًا عما درست وعرفت! نظراً لندرة المعامل كان غالب عملي افتراضيًا ويعتمد كليًا على البرمجة والرياضيات، أتذكر أنني في نهاية المستوى الأول اتصلت بمشرفي يومًا بعد أن بلغ مني التعب مبلغه لأطلب مساعدته فالنتائج استعصت أن تظهر ولكني تفاجأت برده: (اصبري وحاولي كمان باقي بدري) صدمتي برده أعجز عن وصفها حتى أني قلت: دكتور هذا مو الشيء اللي اخترت من أجله التخصص، صدمني مرة أخرى بقوله: احنا لسى في البر، لو تبغي تغيري تخصصك، مشرفك غيريهم (هذا نهاية المستوى الأول المليان دروس وتحديات لا توصف) قفلت المكالمة وبكيت بكاء مرير وأنا أسمع صوت بداخلي يردد: ليش اخترتِ ها لطريق؟! لازال بإمكانكِ التراجع والتخلي عن حلم الماجستير مادام بها لظلام.

كان ها لصوت يزيدني ألم وقهر إلا أن الجواب أتى سريعًا: هل من شيء أظن أني حققته بجهدي فيما مضى؟ كل مرحلة وإنجاز يضاف لي إنما بفضل الله وحده وتيسيره وكل مرحلة كانت أصعب من سابقتها بالتالي الوضع طبيعي ليش الانهيار والتعب وأنتِ متوكلة على الله ومسلمة كل أمرك له؟!
ثم عزمت منذ تلك اللحظة على إكمال المسير.

من هم الداعمين لكِ خلال مسيرتك التعلمية والعملية؟

أول الداعمين لي أمي الحبيبة حفظها الله شريكة كل نجاح وعينيّ التي أرى بها الدُّنيا كما أن لوالدي رحمه الله عظيم الأثر في مشواري قبل وفاته رحمه الله وحتى بعدها إذ لا تزال دموعه ودعواته لي يوم تخرجي وحصولي على درجة البكالوريوس ترن في أذني حتى الآن.

شقيقاتي وأشقائي ضحوا بالكثير لأجل تحقيق حلمي أُدِرك جيّدًا عِظم دورهم في مشواري الماضي والقادم أيضًا.
” حظيت بعائلة قدمت لي كل الدعم لعلّي أكون كما تمنوا وأكثر”.

نصيحة تقدمينها وتسيرين على خُطاها؟

أُدرك جيدًا أن لكلٍ منا رسالته ومسؤولياته التي يمكنه من خلالها خدمة وطنه ودينه أثناء دراستي للحصول على درجة الماجستير كان مشرفي يردد على مسمعي كثيرًا: (زكاة العلم نشره يا ابنتي) فمنذ ذلك الحين وأنا أحاول جاهدة أن أنشر ما تعلمته وأتعلمه سواءً في تخصصي أو في المجال الأكاديمي ككل.

أما خارجيًا أسعى لتمثيل الشخصية المسلمة السعودية المتزنة من خلال احترام القوانين والعادات التي قد تبدو مختلفة تمامًا عما اعتدنا عليه ولكن في نظري هذه النقطة الأهم لنبرز هويتنا الإسلامية السمحة وأخلاقنا الكريمة.

– عظيم الأثر: فقد تركت إيمانًا بأنه مهما أعتم ليلٌ إلا تلاه فجرٌ ينسج خيوط أمل جديدٍ بالله وثقة به وحده من كان معنا فيما مضى وعليه نتوكل لنتجاوز ما هو آت؛ إدراكٌ بأن كل عقبةٍ تصادفنا هي خيرٌ لنا بإذن الله تصقلنا لنزداد إيماناً وقوةً ونضجاً لغدٍ، وثقة بالله واستسلاماً له.

ما وقع الذكريات الخالدة بداخلكِ؟

قرار الابتعاث الخارجي الذي لم يكن سهلاً أبدًا بدايةً ظننت أني أُجبِرت عليه بحكم تخصصي؛ ولكن الآن أشعر بأنه مرحلة ثرية برغم كل عقباتها وصعوباتها كان كل شيء على ما يُرام إلى الليلة الأخيرة قبل السفر برغم أني لم أخلُ بنفسي ليلتها سوى ساعتين حاولت فيهما النوم ولكن أنّى لمغترب أن ينام قبيل رحلة غربته الأولى الطويلة جدًا (ما يقارب ٣٢ ساعة) الشعور الذي اجتاح قلبي ليلتها كان مُنهك جدًا للحد الذي جعلني باردة كالثلج تمامًا في اليومين التالية، أتذكر أن أسئلةً غريبةً لتوها خطرت لي عن شبح الغربة والمسؤولية واللا أمان؛ ولكن سلوايّ كانت أننا بالله وحده نمضي ولن يُضيعنا.

بعد حفل تخرجي في مرحلة البكالوريوس بيومين فقط فقدت والدي وشقيقي الأقرب في حادث سير مررت وعائلتي بفترة عصيبة جدًا حينها، وكأنها حلم من شدة عتمتها وما نالته من قلبي.

حلم ليلة طويلة جدًا ما لبث أن انجلى بعد سنوات حينما أبدل الله مخاوفنا أمنًا برغم شعور الفقد المستمر إلا أن الفجر أطل بفضل الله؛ ففي السنة التالية تم تعييني معيدةً في كلية العلوم قبل أن انطلق في السنة التالية لدراسة الماجستير التي جعلت عائلتي تضحي بالكثير في أصعب أوقات حياتنا لأجلي.

جائزة نلتها أو منصب حظيتِ به؟

– جائزة أفضل محاضرة علمية في الملتقى العلمي الأول للفيزياء بجامعة الملك خالد كان ذلك خلال عملي على رسالتي العلمية للماجستير عرضت خلاله نتائج بحثي الأولية، وبصراحة كانت محفز كبير لي في تلك الفترة الصعبة جدًا.

– فور تخرجي من الماجستير عدت لعملي كمحاضر في كليتي وخلال الأسبوع الأول الذي كنت خلاله في قمة بهجتي وارتياحي بعد مشوار الماجستير الذي استنزف جُلّ طاقتي قرأت بطاقة ألصقتها صديقتي (التي عانت ذات العقبات وشاركتني فرحة التخرج أيضًا في ذات السنة) على مكتبها: (قف على ناصية الحلم وقاتل).

كانت بمثابة منبه لي أن الطريق لم ينته بعد بل هو للتو انتصف لازال أمامنا الكثير لننجزه.

لذا فعلاقتي مع هذه الجملة عميقة جدًا فهي تلامس قلبي وعقلي معًا في كل مرة أذكرها.. تُذكرني أن الطريق يطول كلما أنجزنا لذا لا ينبغي لنا أن نتوقف أبدًا.

بالمناسبة أنا ممتنة عظيم الامتنان لكل الأصدقاء الذين ينشرون طاقةً كهذه حولهم ولو بشكل غير مباشر..

ما العنوان الذي ترينه يُترجم مسيرتكِ؟

لك شيءٌ في هذا العالم فانهض” ”
لا تحتاج إلى معجزةٍ لتُنجز وتتميز تحتاج ذاتك بعد الله فقط أدرِك رسالتك في هذا الكون وامضِ مستعيناً بالله لتؤدي رسالتك بمفهومها الواسع الشامل لكل قولٍ أو فعلٍ بسيطٍ أو عظيمٍ لا تتجاهلها ولا تستصغرها فهناك من يحتاجها بالتأكيد.. لم تُخلق عبثاً فانطلق ضع بصمتك.

كلمة أخيرة سطرتها لنا فجر برجاءٍ تتوق إليه؟

أرجو أن أعود لوطني بعد هذه الرحلة الطويلة لأقدم دورًا مميزًا في المجال الطبي للفيزياء النووية كما وأسعى خلال فترة ابتعاثي لزيادة معرفتي بالشؤون الإدارية والأكاديمية وتفاصيلهما الدقيقة حتى يتسنى لي نشر هذه المعرفة والمساهمة في توعية أكبر شريحة من الدارسين بما لهم وما ينبغي عليهم لتذليل عقباتهم ومساعدتهم على النجاح وخدمة وطننا ومجتمعنا بإعداد جيل واعٍ مستعدٍ للإبداع في مختلف المجالات.

وختمت فجر حديثها بالشكر الجزيل لصحيفة الراية الإلكترونية على ما تبذله من جهود وعلى تقديم هذه الفرصة لها أمله من الله أن يمن عليها وتعود لأرض الوطن لتقدم المزيد والمزيد بإذن الله.